أمَّا قولهم على الآيةِ الأولَة: إِن الوعيدَ كان للقرائنِ التي ذَكَروَها، فإِنّ استدلالَنا من قوله:{مَالِكِ}، {مَا مَنَعَكَ} وهذا لا يقعُ إلاّ مَوْقع ما يلزمُ فِعْلُهُ. وقولُه:{إِذْ أَمَرْتُكَ} بيانُ الموجِب، كقولِ القائلِ: ما مَنَعَكَ أنَّ تستجيبَ لي إِذْ دعوتُك، ولو كان هناَكَ قرينةٌ لذكرَها، لأنَّ الموضعَ موضعُ تقريرِ الحجّةِ، وكيفَ يتركُ مَوضِعَ الحجةِ وَيذكرُ خلقَهُ له بيديهِ، وقد كان الأشبهُ أنْ يقولَ: ما مَنَعَكَ أنَّ تسجدَ لِما امرتُكَ بالسجودِ لَهُ بالأمر المُقْتَضِي للإيجابِ؟، أوْ: ما مَنَعَكَ أنْ تسجدَ مع إيجابِ السجودِ عليك؟.
ولأنَهُ يجوزُ أنْ يعودَ الوعيدُ إلى مخالفةِ الأمرِ، وإلى الاستكبارِ، كما أخبرَ الله سبحانهَ عن أهل النار حيث قيلَ لَهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) , ..}
[المدثر: ٤٢، ٤٣، ٤٤] إلى آخر الآية، وعندنا يجوزُ أنْ يُعَاقَبَ الكافرُ على كُفْرِهِ ومخالفةِ أمرِ الله، لأن الخطابَ يتجهُ إليه بالكُل.
ولو لم يكنِ الأمرُ على ما ذكَرْنا، لمَا ذَكَرَ الأمرَ وعلق عليه الوعيدَ والتوبيخَ، ولو كان هُناك قرائنُ تزيدُ على ما ذُكِرَ، لما طواها في محل إقامةِ الحُجةِ وتأكيدِ المَعْتَبةِ. وقولهم: كلامُنا في اللغةِ. فأمَّا أوامرُ الله سبحانَهُ، فقد يكونُ فيها أمرُ إيجاب بدلالةٍ، فليسَ عندهم أمرٌ يحصل الوعيدُ بمخالفتِهِ، من حيث كونُهً أمراً لا في حقّ الله، ولا في حق