للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرَجَتْ لفظةُ افعلْ مِن المُهَددِ والمُعَجِّزِعن كونِها أمْراً، إَلا لعدم إرادةِ مَنْ صدَرَت عنه!

قالوا: اللُّغةُ تُوجبُ أنْ نَعْرِفَ بظاهرِ خطاب الله سبحانه مرادَه فيما يستدعيه، والحِكْمَةُ تُوجبُ أنْ لا يأمرَ إِلا بماَ يُريدُه، وما ذهبتُم إليه يُخالفُ اللُّغةَ والحِكمةَ، وإِنْ جَازَ دَعْوى ذلك، فهلّا جوزتُم أنْ يكونَ يؤيدُ بالاستدعاءِ التجنُّبَ، فَيَشْتَبِهُ الأمرُ المُطْلَقُ بالتهدِيدِ.

فصل

يجمعُ الأجوبةَ عن شُبَهِهم.

أمَّا القول بأنها تَرِدُ متردِّدةً، فليس بصحيح، بل هي موضوعة للاستدعاءِ والطلب والاقتضاءِ لا غير، فإذا ورَدَتْ مع قرينةٍ، كانت بحسَب القَرينة، إمَّا تهديداً، وإما تعجيزاً، وليست في الترددِ كالصيغِ المُشترَكةِ مثل: لونٌ، وجونٌ، وقُرءٌ، وشفقٌ، ألا ترى أنَّ تلك إذا وَرَدَتْ لم نَعْقِلْ منها واحداً مِن الأشياءِ التي اشتركتْ فيها، ويوضِّحُ ذلك أنه إِذا قال لعبده: اصبغْ ثوبي لوناً، وائتني غروبَ الشَّفَقِ، فإنَّه يحسُنُ الاستفسارُ عن أيَ الشفقين، وأي الألوان، ولا يَحْسُنُ استفسارُ القائلِ لعبده: افعل، أتريدُ أنْ يَفعَلَ أمْ لا تريدُ أنْ يَفعَلَ؟ ولا استعلامُه عن التهديدِ والتعجيزِ، وما صارتْ إلا بمثابةِ أسماءِ الحقائقِ المَوضُوعةِ لمَا وضِعَتْ له، تُصْرَفُ إلى غيرِ ما وضِعَتْ له بضرب من الاتَساعِ، ولا يُعطي ذلك أنَّها عند الِإطلاقِ تحتاجُ إلى إرادةِ النَاطقِ بها ما وضِعَتْ له، وإِنَما لم تصحَّ مِن البهيمةِ، لأنَّ القولَ والرتبةَ أبعدُها، وهما شرطا الأمرِ، فلا رتبةَ للبهيمةِ ولا قولَ، ولربَّما انقلبَ هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>