للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، لأن إِشارةَ البهيمةِ بِطَلَبِ العليقِ والماءِ والحنينِ إلى فصيلِها، وسخلِها، والخروجِ للرَّعي دالة على إرادةٍ منها ذلك، ولم تكن آمِرةً، فقد تكاملَ شرط الأمرِ عندهم، وليست آمرة.

وأما دعواهُم أنَّ لا فَرْقَ بَيْنَ قولِهم: أريدُ مِنك أنَّ تفعلَ، وبَيْنَ قولِهم: افعلْ، غيرُ صحيحةٍ، لأنَ أريدُ منك إخبار عن إرادتهِ، ولفظةُ: افعل، استدعاءٌ، والخبرُ يَدْخُلُه الضَدقُ والكذِب.

وأَصَحُّ الاجوبةِ عن هذا ما سمعتهُ مِن إمامٍ في الجَدَل، أَنَّ: أريدُ، وأودت، صيغتان تتجردان عن ذِكْرِ فرادٍ منه، بل يكفي فيهما نفسُ المرادِ، فيقولُ القائل: أردتُ كذا، وأريدُ كذا، فلا يقال: ممن تريدُ؟، ولفظةُ: افعل، وآمُرُ، وأمرتُ، لا بُدَّ لها مِن مُعَلقٍ عليه الاستدعاء، وأريدُ، وِزَانُ أشتهي وأحتاجُ، وأردتُ، وِزَانُ اشتهيتُ واحتجتُ، وهما خبران عن أمر وقَعَ في النَّفْسِ من شهوةٍ، والأمْرُ إِنَما هو استدعاء، فبانَ الفرقُ بينهما.

وأمًا المُبَرْسَمُ والمَصْرُوعُ، فإِنما لم يكونا آمِرينَ مع وجودِ الصيغةِ، فلأنهما ما قَصَدا الصيغةَ، لا لأنَهما لم يُريدا المُستدعى، وقد اتفقنا على أنَ إرادةَ النُطقِ مُعْتَبَرَةٌ، وإِلا فلا تكونُ طلباً ولا اقتضاءً ولا استدعاءً، وكذلك ما يَسْبقُ على اللسان وَيغْلِبُ بالبرْسَام تكون صورتُه صورةَ الكلامِ.

واختلفَ النَاسُ هل هو كلامٌ؟

فعلى مذهبِ المُحَقِّقينَ: ليس بكلامٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>