وذهب المحققونَ والأكثرونَ من أهلِ هذه المقالةِ إلى أنَّ النهي يكونُ بحسبِ الأمرِ، فإن كان أمراً موجباً، كان نهياً عن ضدِه جازماً، وإن كان أمرَ ندبٍ، كان النهي عن ضده تنزيهاً وكراهية.
فصل
في جمعِ الأدلةِ على مذهبنا
فمنها من جهة البناءِ على أصلنا، وهو أنَّ الأمرَ على الوجوبِ على الفورِ، فإذا ثبت هذان الأصلان، وقد حرمَ التركُ بإشغال الوقت الذي يلي الأمرَ بما يضادُّ الأمرَ، التفاتٌ عن المأمور إلى غيره، وذلك محظورٌ من حيث كان إخلالاً بالمأمور.
ومن ذلك: أن فعل المأمورِ به لا يمكنُ إلا بتركِ ضده إن كان له ضدٌّ واحدٌ، وبتركِ جميعِ أضداده إن كان له أضدادٌ، وما لا يمكنُ فعلُ الواجبِ إلا به يكونُ واجباً فعلُه، فما لا يمكن فعلُ الواجب إلا بتركِه يجبُ أن يكونَ واجباً تركُه، ولا يجبُ تركُه إلا وهو منهيٌّ عنه.
مثالُ ذلك: أنَّ الطهارةَ والستارةَ والاستقبال شروطٌ شرعيةٌ لا يمكنُ فعلُ الصلاةِ الشرعيةِ إلا بها، فكانت مشاركةً للصلاةَ في الوجوبِ، فكذلك تركُ هذه الأضدادِ لا يمكن فعل العبادة إلا بها، فكان شرطاً واجباً، ووجوبُ التركِ لا يكونُ إلا بنهي، وما وجدَ سوى الأمرِ بالعبادةِ،