للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعيانِ، وذلك نحْوُ أن يقولَ: صَلِّ أبداً دائماً. ثم يقولُ له: لا تُصَلِّ.

فيكونُ النسخُ داخلًا على الفعلِ دونَ زَمَنِه. وكذلك إذا قال: اقتلوا المشركين إلا زيداً. فزيدٌ على الحقيقة ليس بمخصوص، لكنَّ المخصوصَ منعُ إيقاعِ الفعلِ فيه؛ لأن اللَفظَ يقتضي إيقاعَ الفعلِ في جميع الأزمانِ وجميعِ الأعيان، فإذا مُنعَ من إيقاعه في بعضها كان ذلك تخصيصاً للأفعال، وكذلك إذا قال: اقْتُلِ المشركَ إلا أن يكونَ معاهَداً، فكأنَّه قال: اقْتُلْه في حالِ لا عَهْدَ له، ولا تَقْتُلْه في حال العهدِ، فذلك يرجعُ إلى التخصيص لِإيقاع الفعلِ في حالٍ دونَ حال، وكونُ المشركِ حَرْبياً أو معاهَداً لا يدخلُ تحت تكليفِ المسلم، لأنهما صفتان للمشرك وفِعْلان من أفعالِه، والعبدُ لا يُكَلَّفُ فعلَ غيرِه، فيجبُ تنزيلُ هذه الإِطلاقات وحَمْلُها على ما قلناه.

فصل

في القول في جواز سقوطِ جميع العباداتِ عن المكلفين بالنَّسخِ (١)، واستحالةِ سقوطِ جميعها [لا] (٢) بالنسخِ.

اعلم أنَا قد قَدمْنا في أوَّلِ الكتاب (٣): أنه لا حَظ لضَرُوراتِ العقولِ وأدلَّتِها في القضاء على تحسين فَعل أو تقبيحِه، أو إيجابه، أو حَظْرِه، أو إباحتِه، وأنه لا شيءَ من الأفعال له صِفة، ووجْة لكَونه في ذاته عليه، يقتضي العَقْل الحكمَ فيه ببعض هذه الأحكامِ، وإنما


(١) وقع في الأصل: "لا بالنسخ"، والصواب حذف (لا).
(٢) زيادة على الأصل يستقيم بها مراد المصنف.
(٣) انظر الصفحة (٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>