للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في سؤالهم على الدليلين

قالوا: إنَ الصيغةَ تقتضي ما ذكرت، لكن مع التجرّد من مخصِّص، وذلكَ لم يتحقق ما لم يبحث عن الدليلِ المخصِّص، وما ذلكَ إلا بمثابةِ الشهادةِ إذا قامت على حق من الحقوقِ لا يتلقاها الحاكمُ بالعلمِ والعمل بها، حتى تقومَ الدلالةُ على سلامتِها بالبحثِ الدالِّ على السلامةِ، مما يقدحُ فيها، وهي التزكيةُ لها، فلا يَقنعُ بأصلِ العدالةِ التي هي كأصلِ الوضعِ ها هنا.

وأمَّا النسخُ، فإنه أمرٌ يردُ متراخياً فيما بعدَ المنسوخِ، وذلكَ لا يجبُ انتظارُه وتوقُّعه، ولأنَّ انتظارَ الناسخِ يُعطِّلُ الأمرَ الأولَ عن العملِ به؛ لأنَّ رفعَه إنَّما يكونُ بعد العملِ به، ولو كان مثلَ العملِ به لما ثبتَ للفظِ الأوَّلِ فائدةٌ؛ لأنَّهُ يخلو جميعُ الزمانِ السابقِ للناسخِ من عملٍ بذلك (١) المنسوخِ، وليس كذلك انتظارُ الدليلِ المخصِّص؛ لأنَّه أيُ وقتٍ كان، قصد العمل باللفظِ الذي أريدَ به الخصوصُ، كما نقولُ في البينةِ إذا ثبتت عدالتُها في الحالِ، لا يتركُ العملُ بها، والاعتقادُ لما شهدت به، فإنا لا نَسْتأني (٢) بها استقبالَ حالها وتوقّعها، عساه يحدثُ فيها من فعلٍ أو قولٍ خارج يقدَحُ في عدالتها أو يرفعُ العدالةَ عنها.

فيقال: إنَّ القاعدةَ في سؤالِكم غيرُ صحيحةٍ؛ لأنَّ تجويزَ وجودِ دلالةٍ تصرفُ عن العمومِ إلى الخصوصِ لو أوجبَ التوقفَ لطلبِها والبحثِ عنها؛ لأوجبَ تجويزَ صرفِ لفظِ الأمر عن ظاهرِه -وهو الوجوبُ- إلى الندبِ، توقيفاً عن العملِ به، واعتقاداً لإيجابِ البحثِ عن دلالةٍ تدلُّ على صرفِه، ولماَ لم يجب ذلكَ في الأمرِ


(١) تحرفت في الأصل إلى: "فذلك".
(٢) من التَّواني، أي: لا ننتظر ونتأخر في الحكم بموجَب الشهادة، إلى حين ظهور سلامتها من القادح أو الجارح.

<<  <  ج: ص:  >  >>