للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقالُ لهم أيضاً: إِنَّ الله سبحانه قد رَدَّ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - في كثيرٍ من الأَحكام وأَصحابَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - إلى طريق الظنونِ بأخبارِ الآحادِ والآراءِ، والاسْتِثارةِ المُصدرةِ للرأيِ، معَ قُدْرتِه على بيانِ جميع ذلك بالنُصوصِ غيرِ المُحتمِلةِ؛ بل بالمُوجِبةِ للقَطْع، فلِمَ مَنَعْتم إِثباتَ الأَحكام إِلا من طريق النُّصوصِ دونَ الأَدِلةِ المُوجِبةِ للظُّنونِ؛ ومعلومٌ أنّه فَسَحَ لنا في العملِ بقولِ الشُّهودِ في الدِّماءِ والأَموالِ والعُقودِ، وهي ظنونٌ، ورَجَّح بالتصَرُّفاتِ والأَيدي واللَّوْث (١)، وكلُّ ذلك أَمارات ظَنِّيَّةٌ لا أَدلَّةٌ قَطعيَّةٌ، وكذلك أَمرُ القِبْلةِ ومواقيتِ الصلواتِ فِى أَيام الغُيومِ وخَفاءِ الأَظِلةِ والأَفْياءِ المُستدَلِّ بها، وَكَلَنا فيه إلى الأَماراتِ، ثم إِنَه قَدَّرَ بعضَ العقوباتِ -وهي الحدودُ- بالنُّصوصِ القاطعة، ثم وَكَلَ إِلينا التعازيرَ للعَبيدِ والزَّوجاتِ عند النُّشُوزِ (٢)، وما دونَ الحُدودِ من عُقوباتٍ، وَكَلَها إلى آراءِ الأَئِمَّةِ، وتلك ظنونٌ متجاذبةٌ، فأَينَ مطالَبتُكم بالقطعيَّاتِ في الأَحكام معَ هذه الأَوضاع الشَّرعيةِ التي لامَحِيصَ لكم عن التَّفَصِّي (٣) عن القولِ فيها بغَلَبَةِ الظنِّ دونَ القطع.

فصل

مفرد لبيانِ وُرود السَّع بذلك بعدَ فراغِنا من بيان أنَّه طريقٌ

فنقولُ وبالله التوفيقُ:

إِنَّ النُّقو الصَّحيحةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابِه- رضوانُ الله


(١) اللوْث: البينة الضعيفة غير الكاملة. قاله الأزهري. "المصباح المنير (لوث).
(٢) النُشُوز: هو العصيان والامتناع. "القاموس": (نشز).
(٣) التفَصِّي: التخلص أو التفلت."المصباح المنير": (فصى).

<<  <  ج: ص:  >  >>