بنقلِهم لشيءٍ من الأحكام، وهذا يسُدُّ علينا بابَ الثقةِ لما رووا من الأخبارِ المتضمنةِ الأحكام، وفي هذه المقالةِ أكثرُ الفسادِ.
فإن قيل: أليسَ قد اتفقت الصحابةُ على تركِ نقلِ شرائعِ الأنبياءِ، وإن كانَ الكذبُ غيرَ جائزٍ على جميعِهم، فبانَ بهذا فرق ما بينَ الكتم والكذبِ.
قيل: هذا عينُ الكذب، وإلا فمن الذي نقل إلينا سِيرَ الأنبياءِ إلا أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما سمعوه منه؟! فأمَّا نقلُهم عن غيره، فإنهم لم يثقوا إلى يهودٍ ونصارى، وقد علموا منهم الكذبَ والتبديلَ والتغييرَ لكتبِ الله القديمةِ، ومَنْ أسلمَ منهم، فقد نقلوا عنه ما أخبرَ به، وهل كتبُ السيرِ المدوَّنةِ عندنا إلا من نقلِهم؟ [و] لأنَّه لا داعي يدعوهم إلى ذلك، إذ لا غرضَ لهم في نقلِ مِلَّةٍ يبنون الأحكام عليها، إلا إذا ثبتَ ذلك بقول نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -.
فصل
في شُبَهِهم
فمنها: أن قالوا: إنَّ كلامَ المسيح في المهدِ كانَ من أعجبِ حادثٍ حدثَ في الأرضِ، ثم إنَّ النصاَرى أكثرُ أُمَّةٍ على وجهِ الأرضِ، حتى إنَّ الإسلامَ مع اتساعِه وانتشاره لا يساوي رقعتهم، ومع ذلك لم ينقلوا ذلك الحادث، ونقلوا إحياءه الميت الذي أحياه، وإبراء الأكمهِ والأبرصِ، فبانَ أنَّه ليسَ النقلُ أمرأً يُنفَكُّ عنه، بل تارةً يُكتَم، وتارةً يُنقَل، وتارةً يُهمَل فلا يُنقَلُ، وتارةً يُعنَى به، فيُنقَل.