للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

يَجْمَعُ دَلائِلَنا

فمنها: أنَّ أحوالَ المكلفين مختلفةٌ غايةَ الاختلاف، ولهذا خالفَ اللهُ سبحانَه بينهم في التكاليفِ بحسب اختلافِ أحوالِهم، فخصَّ العبيدَ والإماءَ بأحكام تخالفُ أحكامَ الأحرارِ، وخصَّ الإناثَ بأحكامٍ تخالفُ أحكامَ الذكورِ، وكذلكَ المسافرينَ والحاضرينَ، والمرضى والأصحَّاء، وأهلَ الباديةِ وأهلَ الأمصارِ، فإذا كانَ كذلك، لم (١) يثبت عندنا بالعقلِ تساوي حالِ النبيِّ وأُمَّتِه من جهةِ العقلِ، فلا وجْهَ لوجوبه بطريقِ العقْلِ من هذا الوجهِ، الذي هو عدمُ العلمِ بالمساواةِ، فكيفَ وقد بان لنا اختلافُ حالِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وحالِ أمّتِه في تكاليف كثيرةٍ؟ تخفيفاً عنه تارةً، وتثقيلاً عليه أخرى، وكرامةً له، وابتلاءً، فلا يَتَهدَّى العقلُ إلى أنْ يحكمَ بأنَّ تكليفه لنوع تَعبُّدٍ: أَنه (٢) تكليف لنا، فَلَمْ يَبْقَ لنا طريقٌ إلى ذلك إلا من جهه السمعِ الواردِ من جهةِ من يَعْلَمُ المصالحَ العامَّةَ والخاصَّة.

فإن قيل: هذا الاختلافُ موجودٌ بين آحادِ الأُمَّةِ، ثم أمْرُه للواحد كان أمْراً للجماعة.

قيل: بطريق السمع أيضاً، حيث قال: "أَمْري للواحدِ أَمْري للجماعة" (٣).

ومنها: أن العقل لا يَتَهَدَّى إلى أصل المصالح العامة، فكيف


(١) في الأصل: "فلم".
(٢) في الأصل: "بأنه".
(٣) تقدم تخريجه ٢/ ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>