للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضاً، وإن كان في طَيِّه إيذانٌ وإعلامٌ على ما بَينّا في أمر المعدوم (١).

وبهذا قال كافّةُ سَلفِ هذه الأمّة وعامةُ الفقهاءِ.

وذهبت المعتزلةُ بأسرها إلى إحالة مُقارنةِ الأمرِ وجودَ الفعلِ، وأنّه لا بُدّ من تقدُّمِه، ثم اختلفوا فيما يتقدم به هل بوقتٍ أو بأوقاتٍ كثيرة، على مذهبين: فبعضهم جوز تقدُمَه بأوقاتٍ كثيرةٍ، وهم الأكثرون، وبعضهم جَوزَ تقدُمَه بوقتٍ واحدٍ فقط، وبعضهم علق تقديمَه بأوقاتٍ على المصلحةِ، وعلق بعضهم جواز تقديمه بأوقاتٍ أن يكونَ في تلك الأوقاتِ كلها تتكامل شُروط التكليفِ، من العملِ والصحّةِ والسلامةِ (٢).

فصل

في جمع أدلتنا على ذلك

فمنها: أنه مقدورٌ عندنا في تلك الحالِ؛ لأنَ الاستطاعة مع الفعل، وكما يصحُّ تناولُ القدرةِ له، فكذلكَ يصحُّ تناولُ الأمرِ له، حتى إنَ بعضَ من قال بقولنا زعمَ أنَ الأمرَ لا يكون حقيقةً إلا إذا قارنَ وجودَ الفعلِ، ومتى تقدم على وجودِه كانَ إيذاناً وإعلاماً، وعندنا يكون بالتقدمِ، إيذاناً وأمراً حقيقةً، فصار المقارنُ أمراً لا شائبةَ فيه، وإذا أردنا كشفَ ذلكَ أخرجناه إلى النطقِ، ومعلوم أنَ الشارعَ في الفعلِ مع شروع الآمرِ في الأمرِ إذا تقدمه الإعلامُ بأنه سيأمره، صحَ ذلك، فليس في وقوعِ الفعلِ المأمورِ به مع الأمر إحالةٌ (٣).


(١) انظر ما تقدم في الصفحة (١٧٧) من هذا الجزء.
(٢) انظر "المسودة": ٥٥.
(٣) انظر "المسودة": ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>