للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه حرفٌ من حروفِ العمومِ (١).

فصل

في شُبَههم

فمنها: أن قالوا: إنَّما قلنا به في الأمر لأنَّ الأمرَ تكليف، فلو لم يُعرف به الأمر أدّى إلى تكليفٍ بلفظٍ غيرِ معقول، وذلك تكليفُ ما لا يُطاق، وليس كذلكَ الخبرُ، فإنه وعد أو وَعيد أو قَصَصٌ، وذلكَ لا يلزم به تكليف، ولا يقتضى إيجابَ شيء.

فيقالُ: وكيفَ لا يدخلُ تحته تكليفٌ، وهو قِوامُ التكليفِ، فإنَّ الخبرَ عليه تَنبني الاعتقاداتُ، والوعدُ والوعيدُ من أكبرِ مَصالحِ التكليفِ، فإنَّهما الحاديانِ للمكلَّفين إلى الطاعةِ والانْقيادِ، ولو عُدِما لم تَنْقَدِ النفوسُ إلى ما كُلفت، ومحالى أن يخلوَ الخبرُ من فائدةٍ من فوائِد التكليفِ، وإن اختلفت الفوائدُ لم يوجب ذلكَ تركَ العملِ بالعمومِ؛ كاختلافِ الأوامرِ أنفسها بين نَدبٍ هو أدنى، وإيجابٍ هو أعلى، وأقصى مراتبنا في اقتضاءِ العمومِ لها ودخوله عليها، ولسنا نطلبُ للوضع عائدةَ الفائدةِ، فإنَّ العربَ تضعُ الألفاظَ والصّيَغ لما قلَّ وجلَّ من أغراضها، كذلكَ الشريعةُ؛ لأنها جاءت بعادة القومِ.

ومنها: أنَّ الخبرَ لا يدخله نسخ ولا تخصيصٌ، والأمرَ يدخله النسخُ والتخصيصُ جميعاً، فجازَ أن يدخلَه العمومُ الذي عليه يرِدُ التخصيصُ.

فيقالُ: هذا يُدلُّ على تأكُّدِ الخبرِ، فإنه متأكدُ الثبوتِ، لا يتسلَّط عليه رفعٌ ولا تخصيص، ولأنَّه إنما لم يدخله نسخٌ؛ لأنَّ نسخَ الخبرِ عما (٢) كان، هو محض الكذبِ غيرُ الجائزِ على حكيمٍ فضلاً عن الخالقِ سبحانه.

ونسخُ الخبرِ عما يكون في المستقبل أيضاً كذب، فإنَّ حقيقةَ نسخِ الخبرِ أنَّه إذا


(١) انظر "العدة" ٢/ ٥١٢.
(٢) في الأصل: "بما".

<<  <  ج: ص:  >  >>