للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في جمع شُبهاتِهم

فمنها: أَن قالوا: إِنَّ الموجودَ في عصرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَادرٌ على طريقِ النصِّ الذي هو القاطعُ على الحُكْمِ، والأَصْلحُ، والمعصومُ عن الخطأ، فلا يجوزُ الانحطاطُ عنه الي الظنِّ المُجَوَّزِ فيه الخطأُ والفسادُ، وإنما أَباحَ الشَّرْعُ الانتقالَ إِلى الظّنونِ عند عَدَمِ النصوصِ، والمُوصِلِ إلى النُّصوصِ.

فيقالُ: هذا غيرُ مُمتنِع بم بدليلِ قَبولِ خبرِ الواحدِ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان مقدوراً على السَّماع منه، والسَّماعُ منه قطع، والسَّماعُ عنه ظَنَّ.

وكذلك يجوزُ العملُ بخَبَرِ الواحدِ، وإِن قُدِرَ على الرُّجوع إِلى خبرِ جماعةٍ يَحصُلُ العِلْمُ بخبرِهم.

على أَنَّ الاجتهادَ بحَضْرَتِه حكمٌ بالعلمِ؛ لأَنه لايُقِرُّه على الخطأ، فإذا حَكَمَ، وأَقَرَّه - صلى الله عليه وسلم -، بانَ أَنه حَكم بطريقِ العِلمِ لا الظنِّ، وقد حَكَمُوا بالأَمارةِ مع إِمكانِ طَلَبِ القَطْع (١)؛ وذلك أَنَّ البخاريَّ رَوَى في "صحيحه" (٢): أَنَّ قوماً سأَلوا أَصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هل كان يَقْرا النبيِّ في الأُخْرَييْنِ، فقال قومٌ من الصَّحابةِ لمَنْ سأَلَ: نعم، فإنا كنا نرى حَرَكةَ لِحْييه. فما ظَنّك بقومٍ تَعَلقوا في قراءَتِه بتحريكِ لِحْمتِه؟ وذلك أَمارة، وقد


(١) في الأصل: "والقطع".
(٢) برقم (٧٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>