صِفَةِ العبدِ المُكلَّفِ، ولاقَدْحٌ في الشَّرْع، ولاخروجٌ عن سَمْتِه ووَضْعِه؛ فإِنَّ الاجتهادَ طريقٌ، والقياسَ دليل، والتَّعبُّدَ [به] جائزٌ، وليس ذلك مما يُخْرِجُنا عن العِلْمِ الذي نحن به عالِمونَ، فكان مَعَ هذه الحالِ جوازُ التَّعبُّدِ به كجوازِ تَعبُّدِنا بسائرِ العِباداتِ، بل مَعَ حضورِه الذي يَحصُلُ به استدراكُ خطأ إِن حَصَلَ، وبيانُ زيادةٍ إِن قَصَّرَ المُجتهِدُ، أَوْلى منه مَعَ العُذْرِ والغَيْبةِ التي يَنْعَدِمُ فيها الاستدراكُ.
ومنها: أَن الاستصلاحَ بالتَّعبُّدِ لسائرِ المكلَّفينَ أَو بعضِهم ليس بمحالٍ في صِفَةِ القديمِ جَلتْ عظمتُه، وإِن لم نَقُلْ نحن: إِن ذلك واجبٌ عليه سبحانه الحكْمَةِ، وقاله غيرُنا، وإِذا جازَ ذلك باتِّفاقٍ، لِم يَمْنَعْ أَن يَعلَمَ الله سبحانه أَن تَعَبُّدَ العلماءِ باجتهادٍ فيما لم يَقُل (١) فيه نصّاَ مصلحةٌ للنبيِّ، أَو لأُمَّتِه، أَو لبعضِ الأُمَّةِ، فجاز لذلك أَن يَستصلِحَ بذلك مَن يَعلَمُ أَنَّ له فيه مصلحةً، وذلك يَعُمُّ عصرَه في الغائبِ عنه والحاضرِ عندَه.
ومنها: أنَّ الاجتهادَ بمعرض الخطأ، وقد جازَ بحيثُ لامُستدرِكَ يَستدرِكُ، وهو في غيرِ عصرِه، ومعَ الغَيْبةِ عنه عندَ قومٍ، فالاجتهادُ بحَضْرَتِه - صلى الله عليه وسلم - معَ استدراكِه للخطأ، وعَدَمِ إِقرارِه عليه، أَوْلى أَن يَجُوزَ.
ومنها: أَن ما جازَ الحكمُ به في غَيْبَةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، جازَ الحكمُ به، أَو التَّعبُّدُ بالحكمِ به مَعَ حضورِه، كخبرِ الواحدِ، يُوَضِّحُ هذا: أنَّ كلَّ واحدٍ منهما مُوجب للظنِّ، وهو بعُرْضةٍ للخطأ.