للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو باستدلال على ذلك؛ بما جمعَ من الصفاتِ المبعدةِ عنه الكذبَ، فلا يبقى إلاَّ تصديقُه فيما أخبر به، فيحدثُ في النفسِ علمٌ بما أخبرنا به، فما حصلَ التأثيرُ في النفسِ إلا بحسب المُؤثرِ.

وأمَّا قولكم: إنَّه يعرضُ الشك بعدُ بخبرِه فيما أخبرنا به، فذلكَ لا يمنعُ حصولَ العلم، فإن العلمَ الاستدلاليَّ تتطرَّقُ عليه الشُّبَهُ، ولا تخرجه عن كونه علماً، وترجيحُ خبرِ التواترِ عليه أيضاً، لا يخرجُه عن كونه علماً استدلالياً، فإن رتبة العلمِ الاستدلالي دون الضروري، وخبرُ التواترِ يوجبُ علماً ضرورياً، وما ذلكَ إلا بمثابةِ الخبرِ القطعي العيانِ، والعلمِ الصادر (١) عن النظرِ والاستدلالِ بالإضافة إلى العلم الضروري الحاصل ببدائِه العقولِ، والكلُّ علمٌ، وكما يترجحُ الخبرُ بكثرةِ الرواة على الخبر الذي يرويه الثقاتُ لكن دونَ عدد المخبرين في الخبر الآخرِ؛ فإنَهما جميعاً يوجبان الظنَّ، ولا يدلُّ تقديمُ الأكثرِ رواة على الأقل على أنَّ (٢) الأقلَّ رواةَ لا يوجبُ الظنَّ، بل استويا في الظن، وقدِّمَ الأرجحُ، كذلك ترجيحُ المتواتر على خبرِ الواحدِ، لا يمنعُ تساويهما في العلم.

فصل

في أجوبتنا عن أسئلتهم

أمَّا دعواهم أنَّ العدالة في المُخبِرِ توجبُ هجومَ العلم للقلبِ، والثقةَ للنفس، فغيرُ صحيح، لأن العدالةَ ليست بأكثرَ من تَعمُّلٍ لطريقةٍ الطبعُ غالبٌ لها، وعادةُ النَاسِ التجملُ بإظهارِ المحاسن،


(١) في الأصل: "الصادق".
(٢) في الأصل: "لأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>