للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلوكُها، والتعويلُ عليها.

فصل

في أَدلَّتنا النَّظَريةِ

فمنها: أَنَّ الأمَةَ قد أَجْمَعَتْ على وجوبِ النَّظَرِ، والفَزَع إليه عندَ حدوثِ الحادثةِ، ووقوع الواقعةِ، وتَرْتيبِ الأَدِلةِ، وبناءِ بعضِها علىَ بعضٍ، ولو كان الجميعُ حقاً وصواباً، لم يكن للنَّظر وجهٌ، ولا كان لعقد مجالس النظرمعنىً، بل كان مُجَرَّدَ العَبَثِ، وإِتعابِ النفْس، أَلا ترى أَنَّ كلَّ مُتَّفَقٍ عليه من خَبَرٍ أَو حُكمٍ يَقْبُحُ فيه النِّزاعُ والمُماراةُ، فلو اجْتَمَعَ قومٌ يَتَناظَرُونَ في الماء: هل هو طَهورٌ؛ أَو الزِّنى: بأَنَّه فُجورٌ، أَو في الأَعيانِ المُخيَّرِ بينها في الكًفَّارةِ: أيها المُسقِطُ للفَرْضِ، والمُبرئُ للذِّمَّةِ؟ لكان ذلك تضييعاً للوقتِ لمَحْضِ العَبَثِ؛ حتى قال الحكماءُ: لو أَنَّ طَبَقاً من رُطَبٍ أو غيرِه مِن المأكولاتِ حَضَرَ بينَ يديْ إنسانٍ، واذنَ لَه في الأكلِ، واتفقَ أنَّ آحادَ ذلكَ متساوٍ في الجودةِ وكلِّ صفةٍ مرغوبٍ فيها؛ بحيثُ لا تفضُلُ واحدةٌ من ذلكَ على الأخرى، لَما امْتَدَّتْ يدُ ذلك الإنسانِ إلى واحدةٍ، ولا يُوجب مدُّ اليدِ إلا بحصولِ ترجيحٍ؛ بجودةٍ، أو قربٍ، أو ما شاكلَ ذلك، وهذا ممّا يجدُه الإنسانَ من نفسِه، إذا خطرَ له في طريقٍ توجَّه فيه المُضيُّ إلى جهتينِ مُختلفتينِ، وتساوَيا فلم تترجَّح إحدى الجهتينِ على الأخرى بنوعٍ من أنواع الترجيح؛ فإنَّه يقِفُ لا قصْداً، بل يوقفُه التردُّدُ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>