للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣]، وإن كانت صلاتُه الرحمةَ، وصلاةُ ملائكتِه الشفاعةُ والدعاءُ.

ومنها: أنَّه قد أمكنَ الجمعُ بين الدليلينِ، فإسقاطُ أحدِهما لا وجهَ له، ألا ترى أننا لا نحكمُ إلا بعد امتناعِ جمعٍ بين الدليلين (١).

فصل

في شُبَه المخالف (٢)

فمنها: لمن قال: لا يُحملُ عليه، أنَّ المطلقَ معلومٌ المرادُ بظاهرِه، فوجَب أن يُحمل عليه، فلا يُعدلُ عنه إلا بدليل، والخاص ليسَ بدليلٍ، لأنَّ التخصيصَ إنما يقعُ بما يخالِفُ الظاهرَ ويعارضُه، فأمَّا بما يوافقُه فلا، والمقيدُ يوافِقُ المطلقَ، فوجبَ أن لا يُخصَّ به.

فيقالُ: إن التقييدَ يخالفُ الإطلاقَ ويعارضُه من لفظِه ومعناه، وينكشفُ ذلك بالمثال؛ يَقول: أعتق عبداً من عبيدي. فيكونُ الأمرُ شائعاً في سائرِ عبيده، فإذا قال: أعتق عبداً مؤمناً. فيخرجُ من عبيده الكفارُ، ويصيرُ الأمرُ واقعاً على بعضِ عبيدهِ، فما خصصناه إلا بما عارضَه دونَ ما واطأه ووافقه، ولا فرقَ بينه وبينَ الخاصِّ مع العامِّ، وذلكَ أنَّ كل واحدٍ منهما يُخرج من الجملة بعضَها، فالخصوصُ يُخرجُ من العمومِ ما لولاه لدخلَ فيه، والتقييدُ يُخرجُ من المطلقِ ما لولاه لدخلَ فيه، وأمَّا كونُ العامِّ معلوماً لكنَه من حيثُ الظاهرُ، والخاص معلومٌ من حيثُ القطعُ، فلما قضيَ بالخاصَ على العامِّ، كذلك يجبُ أن يقضَى بالمقيدِ على المطلَقِ، والذي يوضِّحُ ذلك قولُه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، ثم قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ


(١) انظر "العدة" ٢/ ٦٤٣، و"التمهيد" لأبي الخطاب ٢/ ١٨٣ - ١٨٤.
(٢) انطر هذه الشبه في "الفصول في الأُصول" ١/ ٢٢٢ - ٢٣٤، و"أصول السرخسي" ١/ ٢٦٧ - ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>