اجتمعَ لك ذهنُك، وقَل تعبُك، وظَفِرْتَ ببُغْيَتِك، وسهُلَتْ عليك المسالكُ والجواباتُ، وانثالَت عليك انثيالًا من هذه الجهةِ، فأغنَتْك عن التَحفّظ لكلام غيرِك، ووقع لك باستخراجك ما سبقَك إليه غيرُك؛ لأن القرائحَ واحدةٌ، والمعْدنَ واحدٌ، وإنما يُضَلِّلُ أكثرَ الرجالِ التركُ والِإهمالُ، وقلَّ أن يَضِل متأمِّلٌ متدبِّرٌ (١) ناظرٌ متفكِّرٌ.
فصل
في بيان الانتقالِ عن السؤال
اعلم أن الانتقالَ عن السؤال هو: الخروجُ عما يُوجبُه أَوَّلُه من ملازمةِ السَّنَنِ فيه، وكذلك الانتقالُ عن الجواب.
مثال ذلك: قولُ السائلِ: ما الدليلُ على حَدَثِ الأجسام؟ فقالَ المجيبُ: الأعراضُ. فقالَ السائلُ: وما حَد الأعراضِ؟ فهذاَ انتقالٌ عن السؤال الأولِ -وهو السؤالُ عن حَدَث الأجسامِ- إلى سؤالٍ ثانٍ -وهو السؤالُ عن حَدَ الأعراضِ-، كانتقاله بقوله: وهل تبقى الأعراضُ؟ إذ كان هذا خروجاً عن سنَنِ السؤالِ الأولِ، وسؤالًا عن مذهبٍ آخرَ لا يُخِلُّ الخلافُ فيه بوجهِ الاستدلالِ على الحَدَثِ.
فإن أجابَ المسؤولُ عن هذا السؤالِ، كان خارجاً أيضاً مع السائلِ، ومثالُه من الفقه: أن يقولَ السائلُ للمسؤول: ما مذهبُكَ في الخمر، هل هو مالٌ لأهل الذِّمَّةِ؟ فيقولُ المجيب: هو مالٌ لهم. فيقول السائلُ: وما حَدُّ المالِ؟ فهذا انتقالى، فإن حد المالِ سؤالٌ مُستأنَفٌ، فإن شَرَعَ المجيبُ في جواب بيانِ المالِ فقد خرجَ مع السائلِ أيضاً.