والدلالةُ على صحةِ قولنا: أنَ اللهَ سبحانه قد أمَرَ الكُفارَ بالإيمان، ولم يختلف في تكليفهم الإيمانَ اثنان، ولا فَضَلَ أحد من الأئمة، فقال: إنَ المعلومَ إيمانُه هو المأمورُ دون من عُلِمَ أنه لا يُؤمن. والقول المخالفُ للإجماع لا يُلتفت إليه، وقد أخبرَ اللهُ سُبحانه أنه أمرَ إبليسَ بالسجود لآدم، فقال:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}[الأعراف: ١٢]، فأثبت أمرَه له بالسجود، ولم يقع منه السجودُ، وقد أجمع المسلمون على أنه عالمٌ بامتناعه قبل وقوعِ الامتناع منه (١).
فصل
فيما حُكي من الشبهة عنهم
وهو أنَ الأمرَ لمن يُعلم أنه لا يُطيع عَبَث، واللهُ سبحانه مُنزهٌ عن العَبثِ في قوله وفعلِه؛ ولأنَ التكليف، والأمرَ، والنهيَ إنما يكون للمصالحِ والمنافعِ، وهو التعريض للثوابِ، واجتنابِ ما يوجبُ العقاب، فأما إذا صرف بحقّ من لا يتحقق في حقِّه ذلك، خرج عن حَيِّز الأمرِ المشروعِ والقانونِ الموضوع على مقتضى الحكمة.
فصل
في الجواب عما ذكروه
وهو أنَّ هذا كلام يردُّه النصُ، ولا عبرة بما استدلوا به مع كونِ الإجماعِ انعقد على خلافِه، ونَصُّ الكتاب قضى بإبطاله، على أنه فاسدٌ في نفسه لو وردَ مع عدم الإجماع والنص، وهو أن الله سُبحانه قد خلق مَن في معلومه أنه لا يَنتفع بخلقه ولا يُطيعه في أمرِه، فلا يَستحق الثواب، بل لا يَسعى إلا فيما يوجبُ عليه العقاب، ولم يكُ في خَلقه عابثاً، كذلك أمرُه له لا يكون به عابثاً.