للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أَبو عليِّ وأَبوهاشمٍ: يجوزُ أن يتكافَأَ دليلانِ، فيَتخيَّرَ المجتهدُ، فيعملَ بما شاءَ منهما.

ووَجَدْتُ للمُحقِّقِينَ منهم: أنَّ ذلك في الأَماراتِ خاصَّةً دونَ الأَدلًةِ.

لنا: أَنَّ هذه المسأَلةَ مَبنيَّةٌ على أَصل، وهو أَنَّ الحقَّ في واحدٍ، وإِذا ثَبَتَ بما قَدَّمْنا أَنَّ الحقَّ في واحدٍ، لم يَجُزْ أَن يُخْلِيَ الله سبحانه ذلك الحقَّ من دليلٍ، ولايجوزُ أن يُسوِّيَ بين دليلَيْنِ بم يُؤَدِّي كلُّ واحدٍ منهما إِلى حكمٍ يُخالِفُ الحكمَ الذي دَلَّ عليه الآخرُ؛ لأنَّ في ذلك تضليلاً وحَيْرَةً تَمْنَعُ إِصابةَ الحقِّ.

وحُجَّةُ ما ذَهَبَ إِليه المخالفُ: أَنَّ الحادثةَ تأخُذُ شَبَهاً من أَصْلَيْنِ، بحيثُ لايُرجَّحُ أَحدُهما على الآخرِ، فدلَّ على جوازِ تكافُؤ الدَّليليْنِ.

والجوابُ: أَنَّ هذه دعوى وجودٍ، وليس يُمْكِنُ الخالفَ أَن يُبررَ ذلك في مسألةٍ بعَينها، ومتى ادَّعَى ذلك في شبْهَيْنِ، أَظْهَرْنا التَّرجيحَ والمَزِيَّةَ، فمنه الدَّعوى، وعلينا بيانُ إِبطالِ كلِّ ما يُشِيرُ إِليه من ذلك في أَعيانِ السائِلِ.

فصل

فإِذا ثَبَتَ أَنَّ الحقَّ في واحدٍ، وأَنَّ الأَدِلَّةَ لا تَتكافَأ؛ فإِنَّ ما يؤَدِّي إِليه اجتهادُ المجتهدِ بأَدةِ الحكمِ غيرُ مقطوع به، وإنما هو مظنونٌ، والدَّلالةُ على نفى القَطْع أَشياءُ:

أَحدها: أَنَّا نُوجِبُ على المجتهدِ إِذا اسْتُفْتِيَ في مثلِ تلك الحادثةِ أَن يُحْدِثَ لها اجتهاداً ثانياً؛ لئَلا يكونَ قد تَغَيَّرَ اجتهادُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>