قيل: نَعلمه بحدوث العلم لنا بحال المنظور فيه عند صحيح النظر، وذاك أمرٌ بَيِّنٌ لكَ أيها السائل عند سؤالك لنا عن دَليلِ كلَ مَسألة تسألنا عنها، فنريك كيف دليل تلك المسألة، وكيف صَحَّ حصولُ العلم، فكلُّ نظرٍ حصلَ عنده علمٌ، فإنما حَصل لأنه نَظرٌ صحيحٌ، وطريقٌ إليه، وكلُّ ما لَيست هذه حاله فليسَ بصحيح.
وجواب ثانٍ: وهو أنّا نَعلم صِحة النظرِ بضربِ من النظرِ، داخل في جُملة النًظر، وهو النظر الذي به عَلمنا فسادَ قول من قال: لا أعلم شيئاً إلا بدَرْك الحاسًة، أو بالضرورة المبتدأة في النفس، وبالتًقليد، ولا وَجه سِوى ذلك إلا النَّظر، وهذا ليس بنَقضٍ لما أصلْناه، ومثلة نقضٌ لمذهبِهم إذ (١) استدلوا على فسادِ النظرِ بضَربٍ من النظر.
فصل
وهذا النظر واجبٌ بما قَدمناه من الأدلة السمعيةِ، وهي صالحة للِإيجاب حَسب ما صلحت لإِثبات صِحة النظر، ولأن الله- سبحانه- قد أوجب عَلينا اعتقادَ الحق واجتنابَ الباطل، فيما اختلف فيه أهل الِإسلام من الأحكام، وقد ثبتَ أنه لا يُعلم ذلك ضرورةً، لاختلافِ العقلاء فيه، والضّرورات يَتفق عليها العقلاء. فلا يُفزع إلا إلى العِلم بصحةِ الصحيح وفسادِ الفاسد، ولا طَريق إلى ذلك إلا النظر، وما لا يَحصل الواجبُ إلا به فَواجبٌ.