فمنها: أن قالوا: قولُه تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦]، وقوله تعالى:{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ١٦٩]، وذَمَّ اتباعَ الظن، فقال:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}[الأنعام: ١١٦]، وقال:{وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[النجم: ٢٨]، وخبرُ الواحد ليس بموجبٍ للعلم، فقد دخلَ العملُ به تحت النهيِ، ويوجبُ الظنَّ، فقد دخلَ تحت ذَمِّ المتبعين للظنِّ.
فيقال: إنَّ الطريقَ إلى العملِ بخبرِ الواحدِ مَعْلومٌ، فَعَمَلُنا بهِ عملٌ بالعلمِ، وإن كانَ هو في نفسِه مُوجباً للظن، ولأنَّ الآيةَ مشتركةُ الدلالةِ؛ لأنَّه لو كانَ العملُ بخبرِ الواحدِ، عملاً بما لا علمَ له به، (١ ويدخل تحت النهي، كان الأخذ بالشهادة والفتيا داخل تحت النهي؛ لانه خبر واحدٍ ١) ولأنه محمولٌ على الظنِّ الذي لا يستندُ إلى دليلٍ يوجبُ العملَ.
جوابٌ آخر: وهو أنَّ الدليلَ قد دلَّ على أنَّ العملَ بخبرِ الواحدِ خارجٌ مخصوصٌ عن عمومِ الآيةِ، بدليلِ وجوب قبولِ قولِ الشاهدِ والمفتي، وإن كانَ قولُ الشاهدِ مجوّزاً عليه الكَذبُ، وقولُ المفتي مُجوَّزاً عليه الخطأ.
ومنها: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع إلى قولِ الواحدِ، حيث رَد خبرَ ذي اليدينِ؛ حيث قالَ له: أَقَصُرَتِ الصلاةُ، أم نَسِيتَ؟ وعدلَ إلى الاستزادةِ على خبرِه، فسألَ أبا بكر وعمرَ وغيرَهما مِمَّن كان في الصفِّ عن صدقِه، فقال:"أحقٌّ ما يقولُ ذو اليدين؟ " فلما خَبَّراه
(١ - ١) ليست في الأصل، ولا بد منها لاستقامة المعنى.