للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضربتُ القومَ كلهم أجمعينَ، أو سائرَهم أكتَعينَ.

وإذا كان كذلك: ثبتَ أنَّ للعمومِ لفظاً يخصُّه، وللخصوصِ لفظاً يخصُّه، كما أنَّ للواحدِ لفظاً يخصُّه، وللاثنينِ لفظاً يخصهما، وللثلاثة لفظاً يخصّها، فصارَ العمومُ والخصوصُ في الوضعِ كالأعدادِ من الآحادِ والتثنياتِ والجموعِ، لكل قدرِ منها لفظٌ يخصُّه (١).

فصل

فيما وجّهوه من الأسئلةِ على هذهِ الأدلة

فمنها: المنعُ من القاعدةِ (٢)، وأنه قد يؤكَد لا بما اقتضاه المؤكَّد.

من ذلك: قول القائل من العرب: كلُّ رجلِ ضَربني ضربتُه، وسائرُ من أكرمني أكرمتُه. ولفظة سائرُ وكلُّ للجميعِ، وقوله: أكرمتُه، وضربتُه. إنما رجع إلى الواحد، ولا جَمع فيه أصلاً، فقد قوبلَ الجمعُ والعمومُ بالواحدِ، وأكِّدَ بما لا جَمْع فيه.

قال اللهُ سبحانَه تصديقاً لهذا في اللغةِ، ودليلاً على أنّه أصل فيها: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: ١٣]، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)} [المدثر: ٣٨] , {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] وكُلّ صالح للعمومِ عندنا، وموضوعٌ عندكم، وقد أُكِّد برجل، ونفس وإنسانٍ، وليس فيه جمعٌ رأساً، بل هو لفظٌ للواحدِ.

ومنها: أن قالوا: نُقِلت الدلالةُ على عكسِ ما أردتم، وأنها لما حَسُنَ أن يُعطفَ عليها أجمعين وأكتعين، عُلم أن كُل وسائرَ لا يعطي ولا يقتضي الشمولَ والعمومَ، إذ


(١) انظر "العدة"٢/ ٤٩٧، و"التمهيد" لأبي الخطاب ٢/ ١٧ - ٢٠.
(٢) يعني أن التأكيد لا يكون إلاّ بما يكون به المؤكَّد وما يقتضيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>