للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشيءٍ، ألا ترى أنَّه إذا ذكَرَ الأفرادَ والأعدادَ والأشخاصَ واحداً واحداً، وأفاضَ عليهم حكماً واحداً لم يَجُز أن يخصَّ بعضَ تلكَ الأشخاصِ بقياسٍ، ويكونُ إخراجُ بعضِهم نسخاً للحكمِ لا تخصيصاً، ولما جَازَ أن يردَ العمومُ في الخبر المتسلِّط على تخصيصِه دليلُ العقلِ، فلمّا وردَ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٠٢] أمكنَ تخصيصُه بدليلِ العقلِ؛ لأنَه لا يدخلُ فيه الكلامُ والإرادةُ، فلو قال بدلاً من العمومِ: خالقُ كلامِه وإرادتِه، لم يمكنا دفعُ ذلكَ بدليلِ العقلِ، لكنَا نعْدِلُ إلى تأويلِ إضافتِه، ولا يمكننُا أن ننفي الخلقَ كما أثبتَه، بل نقولُ: خالقُ كلامٍ وإرادةٍ، أضافها إليه إضافَة مُلْك، لا إضافةَ صفةٍ من صفاتِه، وكنا بالنصِّ قائلينَ ما قال المعتزلةُ بشبهِهِم العقلية، ولو قالَ: تدمِّرُ كل شيءٍ من سماءٍ وأرضٍ وجبالٍ، لما أمكننا أن نُخرج شيئاً من ذلكَ بدليلٍ، لأنَّه يكونُ عينَ التكذيبِ للخبر، ولماّ قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: ٢٥]، ولم يذكر أعيانَ السماءِ والأرضِ [أمكننا إخراج شيءٍ بدليل] (١)، لأن لفظَ العموم يتناولُ آحادَ الجنسِ وأنواعَه تناولاً بظاهرِه لا بصريحهِ، والمفردُ من الأشخاص يتناولُ الحكمَ بصريحِه، فافترقا.

فصل

إذا تعارضَ خبرانِ، كل واحدٍ منهما عام من وجهٍ، وخاصٌّ من وجه آخر؛ فهما سواء على الإطلاقِ، إلا أن تقومَ دلالةٌ فتوجب تقديمَ أحدِهما على الآخر (٢).

مثالُه: قوله صلى الله عليه وسلم: "من نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فليصلها إذا ذكرها" (٣)، وقوله: "لا


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) راجع هذه المسألة في "العدة" ٢/ ٦٢٧، و"المسودة": ١٣٩، و"شرح الكوكب المنير" ٣/ ٣٨٤.
(٣) تقدم تخريجه في ٢/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>