ومنها: أن قالوا: إنَّ الإجماعَ قد يقع على موجبِ القياس، وخبرُ الواحد لا يتأتى أن يجمعوا على موجبه، بل يخرج ذَلك إلى المتواتر، ولا يخرجُ الإجماعُ على موجبِ القياسِ عن كونه قياساً.
فيقال: إنَّ الإجماعَ إنَّما يحصلُ على الحكمِ الذي أوجبَه القياسُ، كما يحصلُ على الحكمِ الذي أوجبَه خبرُ الواحدِ، وأمَّا الإجماعُ على القياس، فلا يحصلُ، فإن حصَلَ، كان قياسَ الإجماعِ، كما يصير الخبرُ المجمعُ عليه أنَّه مرويّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيصيرُ قياساً معصوماً، وهذا خبرَ تواترٍ قطعاً.
ومنها: أنَّ القياسَ يحصلُ من جهةِ رأيه واجتهاده، والإنسانُ لا يُكذِّبُ نفسَه، والخبرَ من جهة غيرِه، ولا ثقةَ إلى قولِ الغيرِ توازي ثقتَه بنفسِه، ونفسُه بمثابةِ ما سمعه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ ما يسمعُه عنه غيرُه.
ولأنَّه وإن كان بفعلِه واجتهادِه، إلا أن طريقَه غامضٌ، فقد يصدرُ عن رأيهِ ما يخالفُ الأولَ، فيبطلُ الأولُ، ولا يعملُ في حادثةٍ أخرى، والروايةُ تقضي للمُتأخِّرِ على المتقدِّمِ.
فصل
وأمَّا ما يختصُّ أصحابَ أبي حنيفةَ، فيقال لهم: ما الذي تريدونَ بمخالفة الأصول؟
فإن قالوا: معنى الأصولِ، فهو كقولِ أصحاب مالك، وقد بيّنا