لِما ثبتَ من وجوبِ كونهِ عالماً بكلّ معلوم، واستحال عليه تجددُ كونهِ عالماً بشيء لم يكن به عالماً.
وأمّا النسخُ: فإبدال الحكمِ بغيرهِ، أو رفعُه إلى غيرِ بدلٍ، أو رفعُه إلى ما هو أحبُّ منه أو مثلُه، أو أثقلُ، لا أنَّه تجددَ له علمٌ به، أو إرادةٌ له لم تكنْ، لكنْ علمَ وأرادَ بشريعةٍ لمدةٍ أخفاها عن المكلفين، بنطق لا تلوحُ منه المدةُ، ثم كشفَ عن علمه وإرادتِه رفعَ ذلكَ الحكمِ بعد مُضي المدةِ، التي كانت المصلحةُ أو المشيئةُ المطلقةُ موجبةً لها فيها، ثم إنه صارت حالُ المكلفِ تقتضي الرفعَ لذلكَ الحكمِ فيما بعدها، فحالُ المكلفِ تغيرت، وعِلمُ الله وإرادتُه لم تتغير.
على أن الأمرَ على مذهبنِا، قد ينفكُّ عن الإرادةِ، لأنَّه لا يقتضي الإرادةَ، وإذا ثبتَ ذلكَ، بطلَ تخليطُ اليهودِ وغيرهم النسخَ بالبداءِ.
فصل
فأمَّا الفرقُ بينَ التخصيص والنسخِ فيما يفترقانِ فيه، والجمعُ بينهما فيما يجتمعانِ فيه: فالتخصيصُ هو الدليلُ الكاشفُ عن أنَّ المرادَ بالصيغةِ المستغرقةِ للجنس لفظاً وظاهراً: بعضَ ذلكَ الجنسِ دونَ جميعِه معنىً وباطناً، وأنهَ لم يُرِد اللافظُ بها الاستغراقَ (١).
(١) مقصود ابن عقيلٍ بهذه العبارة إظهارُ الفرقِ الأساسي بين التخصيصِ والنسخ، والمتمثل: في أن التخصيص بيانُ أن بعض أفراد العام التي شملها العام بلفظه وظاهره، غيرُ مشمولة بالحقيقة والحكم، ويكشفُ الدليل المخصِّص أن الشارع لا يريد من اللفظ العام عمومه الاستغراقي الكلي المستغرق لجميعِ =