للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا فرقَ بينَ أن تكونَ الدلالةُ قريبةً مضافةً أو دلالةً متأخرةً عن الصيغةِ، مثل قولهِ تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥]، فيقتضي ظاهرُها استغراقَهُم بالقتلِ، فإذا جاءتْ دلالةٌ، تقتضي عصمةَ أهلِ الكتابِ منهم، بإعطاءِ الجزيةِ، والتزامِ العهدِ، تبيّنا أنهُ لم يرد الاستغراقَ.

ولا يصحُّ هذا القبيلُ -أعني تخصيصَ العمومِ- في أمرٍ واحدٍ، بمأمورٍ واحدٍ، والنسخُ يكونُ نسخاً لحكم الأمرِ الوحدِ، بمأمورٍ واحدٍ بفعلٍ واحدٍ، ينسخُ بعد فرضهِ، ولا يصحُ دخولُ التخصيصِ فيه.

ومن الفرقِ بينهما: أن التخصيصَ يُخرِجُ من الخطابِ ما لم يُرَدْ به، والنسخُ يرفعُ ما أُريدَ إثباتُ حكمه.

ولا يقعُ النسخُ أبداً إلا متراخياً عن المنسوخ، كما بيناه من قبل، والتخصيصُ قد يصحُّ اتصالُه بالمخصوص، ويصحُّ تراخيه عنه.


= أفراده، وإنما مرادُه عمومَه الأغلبي. فإذا ورد الدليلُ المخصِّص، أخرجَ بعضَ الأفراد من التناول اللفظي العام، وبيّنَ أن الحكمَ العام لم يتناول ابتداءً تلك الأفراد المخصوصة.
أما الدليل الناسخ فإنّه إذا ورد، بيّنَ أنَّ الأفراد التي نُسِخَ حكمها كان قد ثبت لها حكمٌ قديم، وقد تغير بحكمٍ آخر، فإخراجُ الأفرادِ بالنّسخ ليس من عمومِ اللفظِ فحسب، بل من عموم الحكم أيضاً.
وعلى ذلك فإنَّ الدليل المخصِّص إذا ورد كشفَ لنا أن الشارع لم يقصد أن يثبتَ حكم العام لجميع أفراده، أما الدّليل الناسخ فإنه يكشف أن الشارع أراد ثبوت الحكم لجميعِ الأَفراد حقيقةً ومعنى، ثم أراد أن ينسخَ ذلك الحكمَ الأوَّلَ بحكمٍ ثانٍ متأخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>