للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الجواب عَنْ شبههم

أمَّا الأول، فإنَّ دلائلَ الأصول وإنْ كاَنَتْ دقيقةً، إلاَّ أنَّ طريقَها العقلُ، والعقلُ يتساوى فيه جميع الأنامِ من خواص وعوام، ولوْ صرفُوا عنايتَهم إلى ذلكَ؛ لتمَهَّرُوا فيهِ، ألا تراهُمْ لمَّا صرفُوا همَّتهم نحوَ الصَّنائع الدقيقةِ والتجائر، [مهروا فيها]، وليسَ في علمِ الأصولِ المأخوذِ اعتقادُها ما يطولُ، فيقطعُ الزَّمانَ، ويعطِّلُ عَنِ الأشغالِ، وإنّما هو حدثُ العالمِ، وأنَّ لَهُ مُحْدِثاً، وأنَّه مستوجبٌ لصفاتٍ مخصوصة، ومُنزهٌ عن صفاتٍ مخصوصةٍ، وأنَّه واحدٌ في ذاتِهِ وصفاتِهِ، وهذا معَ الأيام لو جعلَ (١) لهُ لحظةً في تصاريفِ الأيامِ، لأَتى على القصودِ مِنَ الإثباتِ.

ولأنَّه ينقلبُ عليهمْ في التقليدِ، فيقالُ: إنْ قَلَّدَ واحداً (٢) دونَ غيرِه، فلا بُدَّ أنْ يكونَ للذي يقلِّدُه معنىً خصَّهُ بجوازِ التقليدِ أو وجوبهِ لَهُ دونَ غيرِهِ، فإذا كانَ كذلكَ، فلا بُدَّ مِنَ النَّظرِ في رجلٍ يصلُح أنْ يُقلِّدَه، وذلكَ لا يتحصَّلُ إلا بنوع تأمُّلٍ وترجيح، وذاكَ أيضاً لابُدَّ فيهِ مِنْ معرفةِ ما يرجحُ بهِ الأشخاصُ، ولأنَّ العقلَ محثوثٌ على الاحتياطِ والاحترازِ، وآكدُ الاحتياطِ ما ينجي مِنْ سوءِ العاقبةِ، ويعودُ بالعيشِ السَّالمِ، والنعيمِ الدائمِ، وقد استطارت دعوى الأنبياءِ صلواتُ اللهِ عليهمْ في سائرِ الأقطارِ؛ بالتخويفِ منَ النَّارِ، وبالبعثِ بعدَ الموتِ؛ للمناقشةِ في الحسابِ، والمجازاةِ


(١) في الأصل: "فعل".
(٢) في الأصل: "واحد".

<<  <  ج: ص:  >  >>