للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا تَرى أنه سُبحانه وَكَلَ المِثْليةَ في الصيدِ إلى اجتهادِ حكمين مِنّا، وخيّرنا في بدل ذلك بين المثل من النَّعم أو كفارةٌ طعامُ مساكين، أو عَدْلُ ذلك صياماً (١).

فصل

فيما تعلقوا به من الشُّبهة

قالوا: إن أمرَ الشرع لنا يتعلق بمصالحِنا، وليس في قوَّةِ رأي المكلَفِ أن يقع اختيارُه على تجنُبِ المفسدة، وتوخّي المصلحة، فلهذا لم يكِل اللهُ سبحانَه سياساتِ الخلق إليهم، ولم تقنعْ بآرائهم وعقولهِم في أمرِ دنياهم وأُخراهم، بل أرسلَ الرُسُل، وأنزل الكتبَ، وشرعَ الشرائع، فلا يُؤمَنُ إذا رَدَّ (٢) الاختيارَ إلينا أن نختارَ الأفسدَ ونتركَ الأصلحَ، ولذلك لم نُجوِّز على الله سُبحانه أن يردَ أمرَه إلينا في اختيارِنا، فنحنُ في باب التكليف كالسفهاءِ الدين قال الله فيهم: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥]، {لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: ٣٣]، يعني بحجّة، ونحنُ في بابِ النظرِ للمصالحِ كالسفهاءِ بالإضافةِ إليه، وكما أنه منعَ تفويضَ أمرِ السفهاءِ إليهم، فأحرى أن يمتنع سبحانه من تفويضه للمصالح، ولا طريق لنا إلى معرفتها.

قالوا: وفارقَ ما تعلقتم به من الاجتهادِ؛ لأنه مأخوذٌ من معاني كلامِه سبحانه وكلامِ رسولهِ واستنباطِ معانيه التي أوجبت الأحكامَ، فكان ذلك راجعاً إليه دونَ اختيارنا، ألا ترى أنا نقدم في الأحكام الأدلة بعضَها على بعص؟ فنضع أدلّة الاجتهاد بحسب ما تُعطينا ظواهرُ الألفاظ.

قالوا: وفارقَ التخيير في أعيان المكفر بها؛ لأنَّ اللهَ سبحانه سوّى بين المخيّرات


(١) يشير بذلك إلى العقوبة المترتبة على من قَتل الصيد مُحرماً، وهي العقوبة الواردة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ......} [المائدة: ٩٥].
(٢) في الأصل: "أراد"، والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>