ولا يمتنع أن لا يكون المنعُ من الجميع، لكن يكون الأصلح ترك أحدهما، ومتى تُرِكَ أحدُهما لم يكن فعلُ الآخر مَفسدةً، كالجمع بين الأُختين، يقال له: إما أن تتزوجَ هذه أو هذه. والفسادُ بالجمعِ والتزويج لإحداهما وترك الأخرى ليس بمفسدة.
فصل
في أدلّتنا
فمنها: أنَ حرفَ (أو) يدخلُ في الخبر فَيعطي الشك، مثل قول القائل: رأيتُ زيداً أو عَمْراً. ويدخل في الأمرِ فيعطي التخيير، مثل قوله: أكرِم خالداً أو بَكراً.
والنهيُ والأمرُ في المعنى سواءٌ، من حيث إنَ كُل واحدٍ منهما طلبٌ واستدعاء، إلا أن الأمرَ طلبُ الفعلِ، والنهيَ طلبُ الترك، فالمستدعَى يختلف، فإذا لم يقتضِ الأمرُ بحرفِ التَخيير الجمعَ بين فعلِ الأمرين، كذلكَ النهيُ بلفظِ التخييرِ لا يقتضي الجمعَ بين ترك المخيرين جميعاً.
ومنها: أنَّ قوله: لا تَصَّدَّق من مالي بدرهمٍ أو دينارٍ، ولا تركبْ من ظهري فَرساً أو حماراً. يحسُن تفسيرُه بالنهي عن التَّصدّق بهما وبكلِّ واحدٍ منهما، ويحسُن أن نفسرَه بالنهي عن التصدُّق بواحدٍ منهما لا بعينه، ويصحُّ بأن نقول: تصدق بأيهما شئتَ، واترك الصدقةَ بأيهما شئت، واركب أيَّهما شئت، واترك ركوبَ أيهما شئت.
وإذا كانا محتَملين، فالأخذُ بالأقل والأدنى بيقين لا يرتقى إلى الأكثرِ والأعلى إلا بدلالةٍ.