للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الأجوبة عما ذكروه

فأمّا دعواهمُ التعريضَ بالجهلِ، فما اتيَ المكلَّفُ إلاَّ من قِبَلِ نفسِهِ، وإلا فمَنْ عَلِمَ أَنَّ دأبَ الشرع تخصيصُ العمومِ، كما أنَّ دأبَه نسخُ الأحكامِ، وتأخيرُ البيان، لا يبادرُ باعتقادِ العمومِ، بلْ يعتقدُه مشروطاً بأنْ لا يتراخى (١) عنْهُ دليلُ تَخصيصٍ.

ولأنه باطلٌ بالنًسخ، فإنهُ بِبَادِرَةِ الأمر يعتقدُ الدوامَ، ثم يَاتي النسخُ قاطعاً ورافعاً، فالذي يعتذرُ بهِ عنْ ذلكَ: أنَّه يجبُ أنْ يعتقدَ الدوامَ ما لم تَرِدْ دلالةُ النسخ، كذلك عذرُنا في أَنَّه يعتقدُ العمومَ ما لم تردْ دلالةُ التخصيصِ، وهما سواءٌ في أنَّهما تخصيصانِ، وإنَّما يفترقان في المُخصَّصِ، فهذا تخصيصُ أعيانٍ، والنسخُ تخصيصُ أوقاتٍ وأزمانٍ.

وأمّا قولُهم: إنَّه يكونُ أمراً بضدِّ مرادِهِ، فلا يلزمُ ذلكَ، بلْ يبينُ بدلالةِ التخصيصِ: أنّه أرادَ حصولَ الاعتقادِ بأنّه يعملُ بالجميع ما لم يُخَصَّ، ويَعْزِمُ على ذلكَ، وهما تكليفانِ مقصودانِ، ولأنَّ شبهتهما جميعاً يلزمُ عليها: إيرادُ لفظِ العمومِ، وقدْ كانَ يمكنُ أنْ يقعَ الخطابُ بالأعيانِ المرادةِ فقط، منْ غير إيرادِ عمومٍ، ثمَّ إيرادِ خصوصٍ، ولمَّا لم يمنعْ منْ ذلكَ لمعنىً وحكمةٍ في ذلكَ، لا يمنعُ منْ طَيِّ المخصص عَن المكلف، ثمَّ إظهارِهِ بعدَ ذلكَ، وهذا مستحسنٌ شرعاً وعقلاً وعرفاً، فإنَّ مَنْ أمكنَهُ أنْ يقول: إنَّما


(١) في الأصل: "يترافا".

<<  <  ج: ص:  >  >>