للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استخراجِ ما كان النهيُ عنه لأجله، فوجدَه الأذى بالتضجّر ولَحَظَ ما في الشتمِ والسب من الأذى والضربِ، فوجده أكثَر فعلم أنَ تعليقَ الحكمِ عليه بعلةِ الأذى من طريق الأولى، وهذا هو القياسُ.

فصل

في الجوابِ عن شُبههم

أمَّا قولُهم: إنَ الشتمَ ليس بملفوظٍ به، وليس الملفوظُ به سوى التأفيفِ، فبقي ما عداه من السبِّ والشتمِ على مقتضى الأصلِ، فإنه ليس سوى التأفيفِ، لكن لأجل ما يلحقُ به من التأذي والتألّمِ بالتبرمِ والتضجّر وذلك يعمُ بالمعقولِ كُلَّ أذى يلحقهما من جهته، وهذا عادةُ القومِ ولسانُهم، يقولُ الرجلُ منهم إذا أراد رفعَ السنَة عنه: والله لا شربتُ لك الماءَ من عَطشٍ. فيُعقل من ذلك أنه منَع نفسه من الانتفاعِ بما له، وجعلَ شربَ الماء حَسماً لمادةِ السنِنِ, حيث منعَ نفسَه بما لايُلحِقُ فيه كبيرَ منَةٍ.

وأما قولُ من جعلَه تبعاً من طريقِ اللفظِ، وأنه إذا منعَ من الظلمِ بحبةٍ كان مَنعاً من القيراط لِما فيه من الحبات، فهذا قد يردُ فيما لا يتحققُ فيه المنهيُ عنه، مثل النهي عن التأفيف، وهو قولٌ، فلا يدخلُ فيه الفعلُ؛ وهو الضربُ، وإنما يدخلُ فيه أذيّة الضربِ، وليس للأذية ذكر، لكن للمعنى من اللفظ، فالدينارُ والقيراطُ، وإن كان فيهما عدةُ حبات، إلا أن له اسماً يخصه يخرجُ به عن اسمِ الحبّةِ، دخلت من طريقِ غير اللفظِ، فيقول القائل: لم آخذ حبةً لكن ديناراً، وما سلّمتُ على زيدٍ، لكن سلمتُ على أهل القرية، وإنْ كان فيهم زيد، فللتخصيص حُكم غير التعميم والشمول.

فأما الجوابُ عن شُبهةِ من قال بأنه قياس، وقولهم: إن المعنى الملحوظَ المفهومَ من التأفيفِ هو الأذى، بما في طَيِّه من التبرُمِ والتضخرِ-فلما (١) رأى أنَ في الانتهارِ


(١) في الأصل إلى: "فكما".

<<  <  ج: ص:  >  >>