للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في جمعِ دلائلِنا على ذلك

فمنها: أنَ البناءَ على أصلِنا، وأنَ الكلامَ هو الحروفُ والأصواتُ الموضوعةُ للتفاهم لما يَسْنَحُ من الأعراضِ والدَواعي الحاصلةِ في النفس، ولهذا قسَّمه أربابُ اللسانِ أقساماً؛ فقالوا: هو أمر ونهيٌ، فالأمرُ: افعلْ، والنهيُ: لا تفعلْ، وهو من الأسماءِ المتعدية، قالوا: كلّمتُ فلاناً، وكلّمني زيدٌ، وناديتُ عمْراً، وأمرتُ خالداً، ووعدتُ بَكراً، وتواعدتُ خالداً. وما في النفس لا يتعدّى، وكذلك الكراهةُ في النفسِ، وهي متعلقةٌ بالفعلِ المكروهِ تعلقَ البعض للمبعوضِ، والنهيُ يتعلق على المنهي تعلُّقَ استدعاءِ التركِ منه للمعنى المكروه أو المنهيِ عنه.

ورأيُنا: أنَ الآفةَ المانعةَ من الكلامِ المفسدةَ له هي الخَرَسُ، وما تعلقت إلا بفسادِ آلات النطقِ، كما لا يُسمّى العمى إلا لفسادِ أداةِ (١) النظر، والطرَش لفسادِ أداةِ (١) السمعِ، فلما قيل في الذي فَسدت أدواتُ نطقه: أخْرَس. دلنا ذلك على أنَّ المتكلمَ هو من صحَت منه الصيغةَ المخصوصةُ، فالكلامُ إذاً هو: الحروفُ والأصواتُ، والنهيُ شيءٌ منه، فكان هو الصيغةَ المخصوصةَ دون المعنى في النَفس والإرادة.

ومنها: أنّا رأينا أهلَ اللغةِ يُسمون الناطقَ بهذه الصيغِ: متكلماً، والكاف لأدواتِ النطق ساكتاً، فالسكوتُ والخرسُ المضادان للكلام، قاما بمُخْتَل (٢) الحروف والأصواتِ، فدل ذلك على أنه هو الكلام.

ومنها: أنهم استحسنوا تأديبَ العبدِ المخالفِ قولَ سيّده له: لا تفعل. وسمّوه بذلك: عاصياً ومخالفاً، فمدعي أنَ ذلك كان لمعنىً وراءَ الصيغةِ، يحتاج إلى دليلِ، والموضوعُ للكف والزجرِ عن الفعلِ هو هذه الصيغة من الأعلى للأدنى: لا تَفعل.


(١) تحرفت في الأصل إلى: "ذات".
(٢) في الأصل "بمجمل"، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>