للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

والدلالةُ على أنه ليس بقياسٍ: أنَّ القياسَ والمعنى: أخذُ الحكمِ للفرعِ من أصلٍ وجدت فيه علّةُ الحكم، كتحريمِ النبيذِ لاجتماعِه والخمر (١) في الشدّةِ المطرِبةِ، فأما الأولى فإنه إثباتُ حكمٍ لبعضٍ، والبعضُ من جملة الكُل، كإفاضة الحكمِ على الأكثرِ لوجودِه في الأقلِ ليس بمعنى، بل مفهومُ الخطابِ ذاكَ في الكُل والبعضِ، وما شملَه حكمٌ من طريق النطقِ لم يكن قياساً كالعموم.

فصل

في شُبهةِ من لم يجعل الدلالةَ إلا نفسَ اللفظِ دون ما زادَ عليه

قالوا: المسموعُ الذي قرعَ سمعَ المكلَّف هو النهيُ عن التأفيفِ، وما عداه ليس بمسموعٍ من الشرعِ، فبقينا فيه على حكمِ الأصلِ، وهو الإباحةُ، وبقي المنعُ كسائر الألفاظِ.

وأما شبهةُ من جعلَ ذلك دلالةً من طريقِ اللفظِ دون فحواه، أن قال: إذا قال: لا تظلم أحداً بحبةٍ من مالهِ ولا تؤذه (٢) بالتَّقْطيبِ في وجهه. فإنه قد نهاه عن الظلمِ بالدينار لأنَّ في الدينارِ ستين حبّةً، وفي الأذيَّة بالسبِّ أضعافَ الأذيَّةِ بالتقطيبِ، فصارَ بمثابةِ قولِ القائلِ في قَسَمه: واللهِ لا أكلتُ لفلان لُقمة، ولا رويتُ من مائه بشربةٍ أو بجُرعةٍ. فإنه يكونُ حالفاً على الامتناعِ من أكلِ الرغيفِ وشربِ الماءِ الكثيرِ؛ لأنَّ في ذلك الماءِ الكثيرِ أضعافَ الجرعة، فهي جُرعٌ كثيرةٌ، فتدخل الجرعةُ في الماءِ الكثيرِ واللقمةُ في الرغيفِ.

وأما شبهةُ من قال: إنه قياس. أنَّ النهيَ عن التأفيفِ احتاجَ المجتهدَ إلى


(١) في الأصل: "للخمر".
(٢) في الأصل "تؤذيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>