للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

اعلم أن للخصمِ أن يُعارِضَ خصمَه بما لا يقول به في بعض المواضعِ، وليس ذلك له في كلِّها، ولا بد من حدٍّ يَفصِل بين الموضعين، وسنقولُ فيه قولاً شافياً إن شاءَ الله.

إذا قابلَتِ المعارضةُ بما لا يقولُ به المتنازعان سَقَطَتْ؛ لأن صاحبَها معارِضٌ لنفسِه قاصدٌ بها إلى فسادِ مذهبه، وما كان هكذا فليس له أنه يعارضَ به، ولكن لغيرِهما أن يُعارِضَهَما به؛ إذ كان غيرُ تصحيحِ تلك المعارضةِ مذهبَه؛ لأنه إنما يكون لِذي المذهبِ من السؤالِ ما صَحَّحَ مذهبَه وأبطلَ مذهبَ خصمِه، وأما ما يبطل به مذهبه فلا، ولكنَه عليه، وذلك أن تأويلَ هذه المسألةِ الفُلانيةِ أن الفُلانيَّةَ تصحيح مذهبهما (١) به، وإن كانت مصححةً على الحقيقةِ فهي لهم على الحقيقةِ، وإضافتها إليهم على معنى أنهم سَبَقوا إليها، وأنهم يحاولون بها التصحيحَ لمذهبهم، وإن كان ذلك لا يَتِمُّ لهم.

وغَرَضُ السؤالِ تصحيح المذهب وإبطالُ ضِدَهِ، فإذا كان بخلافِ هذه الصِّفةِ فهو ساقطٌ، فإذا قابلَتَ قولًا لا يقول به المعارِض فهي صحيحةٌ؛ لأن صاحبَها أفسدَ باطلًا عنده بإظهارِ مساواتِه لباطلٍ آخرَ هو أيضاً باطلٌ عنده، فهذا على ضَرْبَيْنِ:

مثال الأولِ: قول السُّنَيِّ للمعتزِليَ: إذا زَعَمْتَ أن تكليفِ ما لا يطاقُ فاسدٌ لِمَا صَحَّ من عدلِ الله ورحمتِه، فهلاَّ زَعَمْتَ أن تعريضَ اللهِ سبحانه لمن المعلوم عندَه أنه يَعطَب بالتكليفِ للتكليفِ، وتعريضَ


(١) في الأصل: "مذهبها".

<<  <  ج: ص:  >  >>