للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: ٣١ - ٣٢] ففهِم إبراهيمُ من قولهم: أهل هذه القرية. إهلاكَهم على العمومِ، حيث ذكر لوطاً، وأجابت الملائكةُ بالتخصيص، واستثنوا أقرانه من جملةِ المهلكين، واستَثنوا امرأتَه من جملةِ الناجين، فهذه الآياتُ كلُها قد بانَ بها أنَّ. العمومَ ثابت بهذهِ الصيغِ، وأنها صيغٌ موضوعةٌ بمجرّدها.

فصل

فيما وجَّهوه من الاعترأض على هذه الآيات

فمنها: قولُهم: إنَ هذه الصيغَ صالحة للعمومِ متهيئةٌ له، فإذا قام الدليلُ على مرادِه منها ثبتَ العمومُ، وبالصلاح يحسُن ما وُجه عليها من الاعتراض، ومنها: أن قالوا: بَعد دلائلَ قامت بان المراد بها العموم، لا بمجردها؛ لأن الألفاظَ المسموعةَ يقارنها حالَ السماعِ لها والتلقِّي لصيَغِها دلائلُ أحوالٍ، وشواهدُ تدلُّ على مراد اللافظ بها، وقصدِ منها، وترِدُ إلينا ساذجةً خاليةً من تلك الدلائلِ والشواهدِ، وهذا أمرٌ يعلمه كلُّ أحدٍ من ألفاظِ اللافظِين.

فيقالُ: لو كانَ ذلك لأجلِ صلاحِها للعمومِ؛ لكان ما وجّهوه سؤالاً واستفهاماً.

فأمَّا قول عبد الله بن الزبعرى: لأخْصمنَّ مُحمداً. فليس هذا حداً لصلاحيةٍ، بل كان غاية ما يقول: لأسألنَّ محمداً، فمن كانَ مرادُه كذا، قلتُ: كذا. فلما أقدمَ على ذلك إقدامَ الخصومةِ، وتقريرَ المناقَضةِ، عُلم أنه ما تعلق عليه إلا بمقتضى اللفظِ، دون الصلاحية فقط.

وأما نوحٌ؛ فإنه اقتضى وجعلَ ذلك وعداً (١)، ولا ويقدِمُ نبيٌ كريمٌ على الاقتضاءِ


(١) أي فهم من قوله تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [هود: ٤٠]، الوعد بنجاة جميع أهله، لعموم الصيغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>