في الفرقِ بين طريقةِ الحُجةِ في الجَدَلِ والمنْطِقِ
اعلم أن الفرقَ بينهما: أن طريقةَ المنطق في الحجةِ على تحديد المعنى واللفظِ، وليس كذلك طريقةُ الجدلِ؛ لأنه قد يُستعملُ في العبارةِ عن الحجةِ المجازُ، وُيجرى على عادةِ أهلها في الاتَساعِ والِإيجازِ.
والطَّريقتان وإن اختلفتا في ذلك فإنهما تؤدِّيان إلى غَرَض واحدٍ، إلَّا أن إحداهما (١) على تحديد الطَّريقةِ، وأخرى على تغييرِها، وكلاهما موصِلٌ إلى البُغيةِ، ومظهرٌ للنَّتيجةِ، وإنما الاعتمادُ على تحقيقِ المعنى في النَّفسِ، وإن اختلفَ ما يُتوصَّلُ به من الطرقِ.
وطريقةُ الجدَلِ قد يجري فيها التَّحديدُ، ويجري فيها التَّغيير، فهي أوسعُ من طريقةِ المنطقِ من هذا الوجهِ، وطريقةُ المنطقِ أضيقُ؛ إذ كان لا يُسلَكُ إليها إلا من وجهٍ واحدٍ، والمثل في ذلك كمن قصدَ بلداً، فوجدَ طرقاً متشعِّبةً مشتبِهةً تُوصِلُ إليه أيضاً، فالذي على سَنَنٍ واحدٍ أوضحُ لمن لم يَرْتَضْ بالطًّرقِ المؤدِّيةِ، فأمَّا المُرْتاضُ فيتقاربُ ذلك عنده فى الإِيضاحِ.
وقد يستعملُ العالمُ ذلك لِإفهام العامِّيِّ؛ إذ كانت العامَّةُ لم تَألَفْ طريقَ التحديدِ، فهو وإن كان علىَ السَّنَنِ، فإنه صعبُ المَسْلَكِ عند من لم يَألَفْ تلك الطَّريقةَ، ولا جَرَتْ بها عادتُه.