والأكلِ في المُنْخُل (١)، وغيرِ ذلك، وليس ذلك قَبيحاً.
فأَمَّا المقبحاتُ من المنْهيَّاتِ، فلأدلةٍ شرعية إنْ كانت منهيَّات الشرعِ، أو لأدلةٍ عُرفيةٍ إنْ كانت من حيثُ اللغةُ, فأمَّا بمجرَّدِ صيغةِ النَّهي فلا، وهذا خلطٌ منهم للكلامِ باللغةِ، كخلطِهم الأمرَ باقتضاءِ الِإرادةِ وإلا فأيْنَ التَّحسينُ والتَّقبيحُ من الصِّيغَ اللغوية؟
فصَل
في ذِكرِ مَن تَجِبُ طاعتُه
اعلمْ أَنَّ الواجبَ: هو الأمرُ اللآَزمُ الحتمُ، الذى سقَطَ على المُكلَّفِ سقوطاً لا يمكنهُ الخروجُ عنه، إلاّ ويُكْسِبهُ ذلك الذَّمَّ واسمَ العصيانِ.
مأخوذٌ من قولهم: وجَبَ الحائطُ، ووَجبتِ الشَّمسُ، أيمما سقطا، {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}[الحج: ٣٦][أي: سقطت]. والذين تجبُ طاعتهُ هو اللهُ سبحانه، وَمن أَوجَبَ طاعتهُ مِنْ رُسُلِه صلواتُ الله عليهم، والأئمةِ وخلفاءِ الأئمةِ، والوالدين، وسادةِ العبيد الذين مَلكهم رِقَهم، وأَوجَبَ عليهم بحُكْمِ الشَرعِ طاعتَهم، فأمَّا مَنْ عدا ذلك مِن مُسَلطٍ بنفسه ومُستعْلٍ بوضعهِ الاستعلاءَ لا بحُكْمِ الشَّرعِ، فليس بواجبِ الطاعةِ، وإِنْ حَسنتْ متابعتهُ لاستعلائهِ والانقيادِ له، فذلك مصانعةٌ له، حراسةٌ للنَّفسِ بحكْمِ الشَرعِ أيضاً، أَلا ترى أنه لمَّا جاءَ الشَرعُ بالنَّهي عن طاعةِ الوالديْن، حَسنَ عصيانُهما، فقال سبحانَه:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}[لقمان: ١٥]، وهذا
(١) المنخل: ما يُنخَل به الشعير والقمح، وهو غير منهى عنه، وإنما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير منخلاً وأن الصحابة لم يكونوا ينخلون الشعير. انظر البخاري (٥٤١٠) و (٥٤١٣).