للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدوامِ على دلالةٍ زائدةٍ على الصيغةِ.

فيقالُ: قد بينا أنَ الاستدعاءَ للتركِ يقتضى الاستجابةَ دونَ الإهمال، كما استدعت الاعتقادَ والعزمَ، وكما أنه إذا ترك تَلَقيها بعزمٍ واعتقاد، كان مهمِلاً، كذلك إذا تلقّاها بدوامِ الفعلِ الذي أُمِرَ بالكف عنه، حَسُنَ (١) أن يُخْلَعَ عليه اسم عاصٍ، حَسَبَ ما يُسمّى بالبدارِ طائعاً، ويكون تاركاً للاستجابة مع إزاحةِ العلة من غير إذنٍ في التركِ، ولا توسعةٍ في اللفظ، وإطلاقُ الاستدعاءِ للعبدِ المُزاحِ العلّةِ تقتضي الجزمَ في الأمرِ، والمهلةُ لا تَجيءُ إلا بنوعِ توسعةٍ تقترنُ باللفظ، أو دلالةٍ تَتبعُ أو تشفعُ اللفظَ، ولهذا لم يُخيَّر الحالفُ على تركِ الشيء بين تَعجيلِ تركهِ أو تأخيرِه، ولا بين استدامتِه أو قطعِه وتركِه.

فصل

إذا نهى عن شيئينِ أو أشياءَ بلفظِ التخييرِ، مثل قوله: لا يكلِّمْ زيداً أو عمْراَ، ولا تأكلْ رُطباَ أو تَمراً، لا تعاشرْ فاسِقاً أو خليعاً. فَظاهرُ كلام صاحبنا رضي الله عنه أنه على التَخيير، وهو قولُ أصحابِ الشافعي.

وفائدتُه عندنا: أنه يجب ترك أحدِهما لا بعينه، ويجوزُ فعلُ أحدِهما، ولا يجوزُ الجمعُ بين فعلهما.

وقالت المعتزلةُ: يقتضى المنعَ منهما ومن كُل واحدٍ منهما إذا أمكن الجمعُ، (٢ مثل اعتباره ذكرنا ٢)، فأمَّا إن كانا ضدَّين، كحركةٍ وسكونٍ، وصومٍ وإفطارٍ، فلا، إذ لا اجتماعَ لهما، وفي إحالتهما ما يمنع دخولَ النهي عنهما على المكلف حسب قولهم في المخيرات في باب الأمر أن جميعَها مأمورٌ بها وواجبة، وهو اختيارُ أبي عبد الله الجُرجاني من أصحابِ أبي حنيفة، غير أنّهم أوجبوا هناكَ تركَ الجميع، ولم


(١) في الأصل: "وحسن" وحذفت الواو لتستقيم العبارة.
(٢ - ٢) كذا العبارة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>