للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في حرف (إنما) هل يقتضي نفياً وإثباتاً؟

مثل قوله: "إنَما الولاءُ لمن أعتق" (١)، قال شيخُنا رضي الله عنه في كتابِ "العُدة": يقتضيى إثباتَ (٢) الولاءِ للمعتق، ودليلُه يعطي أن لا ولاءَ لمن لم يُعتق، وقال كثير من المتكلمين: لا يقتضي يسوى إثبات الحكمِ دون نفيه عما عداه. وقال الجُرجاني: يعطي ذلكَ من طريقِ اللفظِ، فيكون حرف (إنما) أفاد الأمرين جميعاً: إثباتَ الولاءِ للمعتقِ ونفيه عن غيره، ووافقه على ذلك القاضي أبو حامد (٣) -من أصحاب الشافعي- مع نفيه لدليلِ الخطابِ (٤).

وجْه قول أصحابنا: أنه أضافه إلى جهةٍ، فلا يقتضي النفيَ عن غيرها لفظاً، كما قال: الولاءُ لمن أعتَقَ، أو قال: إنَ الولاءَ لمن أعتَق. فإنه يقتضي إثباتَ الولاءِ للمعتقِ، فلا وجهَ لنفيه عن غيرِه من جهةِ النُطقِ، لكن بدليلِ النطقِ عندَ من أثبته، أو دليلٍ آخر عند من لم يرَ للنطق دليلاً.

فمن قيل: (إنما) للحصر بدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] فأفادت إثباتَ الإلهية له سبحانه، نفيها عن غيره.

قيل: من طريقِ النُطقِ لم تُفِد، لكن بدلالةِ التوحيدِ، كقوله: اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فلا نُسلم أنَ اللفظَ أفادَ نفيَ الإلهيةِ عن غيره، بل دليلهُ هو دليلُ العقلِ، هو العامل.

يُعارِض هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: ٧] ومعلوم أنه اقتضى إثبات الإنذار له صلى الله عليه وسلم، ولم يُفد نفي الإنذار عن غيره، فتقابلا، وكان ما ذكرنا من الدليل مُعَوّلاً عليه، إذ ليسَ في حرف (إنما) ما يعطي النفي، بل ما أفادت إلا الإثبات.


(١) تقدم تخريجه في الصفحة (٢٧٨) من هذا الجزء.
(٢) في الأصل: "نفي"، والمثبت من "العدة" ٢/ ٤٧٨ - ٤٧٩.
(٣) تقدمت ترجمته في الصفحة (١٨) من هذا الجزء.
(٤) انظر "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>