للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تكفير، دَلالة على استحقاقِ الذَّمِّ، وليس بعلَّةٍ.

فصل

في العلَلِ العقليَّةِ والسمعيَّةِ

فالعقليَّةُ -وهي علَّةُ الحكمِ العقليِّ- موجبة للحكم لنفِسها وجنسِها، فمُحالٌ ثبوتُها أبداً مع انتفاءِ الحكمِ قبل الشَّرع، ومعِ ورودِه، وفي زمنِ نسخِه؛ لأن في تجويزِ ثبوتِها مع انتفاءِ الحكمَ نقْضاً لها، وكذلك في ثبوت حكمِها في موضعٍ ما مع انتفائِها نقضٌ لهَا على ما بَيَّنَّاه من قبلُ، وهذه كالحركةِ إذا كانت في مَحَلٍّ أوجبَتْ له التحرُّكَ لا مَحَالةَ.

وأما عللُ الأحكام: فعلاماتٌ وسِماتٌ تكونُ علامة بوضعٍ واختيارٍ، فلا يَمتنعُ أن تكوَنَ تارةً مجعولةً أَمارَةً، وتارةً لا تكونُ كذلك، وهذه كالشِّدَّةِ المُطربةِ إذا كانت في شرابٍ فهو محرم لا مَحالَةَ، إلَّا أنَّا عَلِمْنا ذلك من جَهةِ السَّمعِ؛ ألا ترى أن الشرابَ قبل أن يقعَ فيه خمرٌ أو تخمرٌ كان محلَّلاً، فلما وقعَ فيه خمرٌ أو حصلَ فيه تخميرٌ، صارَ محرَّماً بعد أن لم يكن محرَّماً، كما أن المحلَّ قبل أن تُوجَدَ فيه حركةٌ كان ساكناً، فلمَّا وُجدَتْ فيه الحركةُ، صار متحرِّكاً بعد أن لم يَكُنْ.

فكلٌّ ما إذا كان الأوَّلُ كان الثاني من أجل كونِ الأوَّلِ، فالأوَّلُ عِلَّةٌ، عقلياً كان أو سمعياً، ومثلُ هذه العلَّةِ السمعيَّةِ لا خلافَ في معنى القياسِ بها.

فإن قال قائلٌ: أفليس قد كانت الخمرُ تقعُ في الشراب والشَدةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>