للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في إيضاحِ شُبَههم

فمنها: أن قالوا: إنَ اقتضاءَ العمومِ، أو إن المقتضي للعمومِ: إنما هي هذه الصيغ إذا تجردت عن قرينةٍ تصرفُها. ولا طريقَ إلى العلمِ بتجرُدها عن القرينةِ إلا البحثُ الكاشفُ لأحدِ أمرين: إما القرينةُ الصارفة لها عن الوضعِ الأوَل، أو تجرّدها عن قرينةٍ، فصار كالبينة التي لا تُعلمُ صلاحيتُها لإثباتِ الحقوقِ إلا بالبحثِ عن باطِنها لتتضحَ براءتُها من أسبابِ الريبةِ.

فيقالُ: إنَ الأصلَ عدمُ القرينةِ؛ ولأنه يلزمُ عليه الأعداد وأسماءُ الحقائق، فإنهما جميعاً يُصرفان (١) عن ظاهرهما بالقرائنِ، ولا يعتبرُ العملُ بهما بعَدم البحث.

ومنها: أن قالوا: إنَ سامعاً إذا سمع قولَه سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢]، فلا يخلو أن يعتقد عمومَه بالبادرةِ حتى إنه يعتقدُ خلقَ الكلامِ والعلمِ والإرادةِ، أو يتوقفَ لينظرَ ما يجوزُ أن يدخلَ تحتَ العمومِ وما لا يجوز فيخرِجه بدلالةِ التخصيصِ، ولا يجوزُ الأوَل بإجماعِنا، فلم يبقَ إلا الثاني.

فيقالُ: إنَّ لأدلةِ العقولِ فيما يتعلَقُ الله سبحانَه وصفاتِه الواجبةِ له سابقةً لسماعِ كل سمعٍ يردُ من الرسولِ صلى الله عليه وسلم، كما كانت سابقةً لإرسالِ الرسولِ في تجويزِ الإرسالِ عليه، فلما جوَّزت الإرسالَ سمعنا ذلك لا جَرمَ منه، ولو لم تسبق أدلةُ العقولِ بتجويزِ (٢) الرسالةِ عليه سبحانَه والسفارةِ عنه لما سمعناه، وتلكَ أدلةٌ ظاهرةٌ لا تحتاجُ إلى تجديدِ نَظَرٍ وبحثٍ بعد ورودِ صيغةِ العمومِ.


(١) في الأصل: "يقرنان".
(٢) في الأصل: "بتجوز".

<<  <  ج: ص:  >  >>