للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في جمع الأدلة على جواز ذلك

فمنها: أنَ الصحابةَ رحمة اللهُ عليهم، وجماعةَ التابعين بعدَهم كانوا يحتجون في المسائلِ بألفاظِ النبيَّ في أوامرِه ونواهيه في عصرِه صلى الله عليه وسلم، ويَرجعون في الحوادثِ إلى قضاياه وأحكامِه وبالآي التي نَزلت عليه، وقد ثبتَ بالإجماعِ تقدمُ كلامِ الله بها، ولو كان الأمرُ لأهلِ عصره خاصَّاً لما كان في ذلك حجةٌ على من حَدث بعده؛ لأنه كان معدوماً حين وجودِ الأمرِ ونزوله وتلفظهِ به.

ومن ذلكَ: أنَ الأمرَ إذا عُلق على العاجزِ بشرط إِقْداره، والعادمِ للآلة بشرطِ حصولها، وفي الوقتِ الذي يضيقُ عن الفعل لما يتسعُ من الوقت في ثاني الحال؛ كان أمراً صحيحاً مشروطاً، ولو صرح به الآمر لَحَسُنَ ذلك عند كُلِّ عاقلٍ من أهلِ اللغةِ بأن يقول للنَجار اعمل لهذه الدارِ باباً، ولهذا القَراح (١) دولاباً. والنَجارُ مع الأمرِ له في مكانٍ لا آلةَ معه فيه، فيكون المعقولُ من ذلك: اعمله إذا أحضرتَ الآلة واتّسع الوقت، وكانَت أعضاؤك سليمةً، حتى لو كان مَريضاً أو معطَّل الأعضاءِ التي يقعُ بها العملُ، كان المعقولُ من أمره: إذا صحَت أدواتُك وتمكَنْتَ من الفعلِ، فافعل. وتعذّرُ الفعلِ بالعدم كتعذّرِه بالعجز (٢ ......................................... ٢ ..............................) يوجب تقدمها على الفعل، بل يصح تقدم الفعل.


=
١ - أن الأمر للمعدوم يكون أمرَ إعلام، إذا كان كيف يكون، وليسَ بأمرِ إيجاب وإلزام.
٢ - أنه يتعلق الأمر با لمعدوم، إذا كان هناك مخاطبٌ ببلاغه، فأمَّا إن لم يكن من يتوجه الخطاب إليه، فلا.
انظر "العدة" ٢/ ٣٨٦، و"التمهيد" ١/ ٣٥٢، و"المسوَّدة": ٤٤.
(١) القَراح: الماء الخالص الذي لا يخالطه ثُفل من سويق ولا غيره. (اللسان) (قرح).
(٢ - ٢) طمس في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>