للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

فأمَّا ما ثبتَ بقول بعضِهم (١) أو فعلهِ وسكوتِ الباقين، مع انتشارِ ذلك بينهم من غير إنكارٍ له، ولا ظهور ما يدل على أنهم في مُهلةِ النَظرِ فيه، كقوله: حتى أنظُرَ في هذا، أو دَلالةِ حال تدل على توقفِه توففَ الناظر فيه، لا المُصحَحِ له، فذلك حُجةٌ.

ومهما ظَهَرَ نكير أو توقفٌ، فليس ذلك الحكمُ والفَتْوى إلا قولٌ (٢) لقائلِه ومذهبٌ للناطقِ فيه دون الساكتِ، وإنما كان كذلك؛ لأن الإنكارَ مخالفة، فلا إجماعَ، وظهورَ الارْتياءِ والنظَرِ عدمُ موافقةٍ، فلا يكونُ إجماعاً مع عدمِ الاتفاقِ؛ إذ ليس الِإجماعُ إلا الاتفاقَ.

وأما السكوت: فقد جعلَه قوم إجماعاً، ومَنَعَ منه آخرون مع قولهم: إنه حُجةٌ، ومَنْ منعَ أن يكونَ قولُ الصحابى حجةً، ومنعَ أن يكونَ السكوتُ موافقةً، فلا يَتحققُ عنده حُجةً ولا موافقةً.

فوَجْهُ من قال: إن سكوتَهم الذي لا يَظهرُ معه التوقفُ للنظرِ موافقةٌ: هو أن الأمَةَ معصومةٌ على مذهب القائلين بالإجماع، والمعصوم كما لا يَنطِق بخطأٍ لا يُقِر على خطَأٍ، ألا ترى أن الرسوَلَ - صلى الله عليه وسلم - كان معصوماً عن الخطإ بنفسهِ في أحكامِ الشرعِ لم يقِر على


(١) هو الضرب الثاني من الإجماع.
(٢) كذا الأصل بالرفع، وهو مخرج على لغة بني تميم؛ فإنهم يبطلون عمل "ليس" إذا اقترن الخبر بعدها بـ "إلا"؛ كما يبطل أهل الحجاز عمل "ما" إذا كان خبرها كذلك. انظر "مغني اللبيب" ١/ ٢٩٣ - ٢٩٤ و"الجنى الداني" ص ٤٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>