وليس كذلك سبيلُ الثاني؛ لأن العقلَ لا يَشهدُ له بأنه إذا صَحَّ صَحَّ الأولُ، كما شَهِدَ الأولُ بأنه إذا صَحَّ صَحَّ الثاني، فمن هناك كان المعنى الأولُ هو الدالَّ على الثاني، ولم يَجبْ أن يكونَ الثاني دَالاً على الأولِ، ولكن الثاني يَلْزَمُ من الأولِ من حيثُ كان دَالاً عليه.
مثالُ ذلك: إذا صَحَّ أن زيداً قد كفَر، صَحَّ أنه مستحِقٌ للعقوبةِ، أو نقولُ: الذَّمِّ، وليس إذا صَحَّ أنه يستحقٌّ الذَّمَّ، صَحَّ أنه قد كفرَ؛ لأنه قد يستحقُّ الذَّمَّ بالفِسْقِ الذي لا يَكفرُ به.
فصل
في الفرق بين الحجةِ والشُبْهةِ
اعلم أن الفرقَ بينهما: أن مع الحجةِ الثقةَ بالمقدَمةِ في نفسِها وشهادتِها، وليس كذلك الشُبهةُ؛ إذ (١) كانت الثِّقةُ إنما هي بإحداهما دون الأخرى، أو تخيُّل الثقة فيهما من غير حقيقة، ولو لم يكن هناك ثقةٌ أصلاً ولا تخيلُ ثقةٍ، لم يكن حجةٌ ولا شبهةٌ.
وكلُّ ما يُتكلم عليه في الجدلِ، فلا يخلو من حجةٍ أو شبهةٍ أو شَغْبٍ، ومن أحبَّ سلوكَ طريقةِ أهلِ العلم، فإنما يتكلمُ على حجةٍ أو شبهةٍ، فأمَّا الشَغْبُ فإنما هو تخليط أهلِ الجدلِ، وهو ما أوْهَمَ الكلامَ على حجة أو شبهة، ولم يكُ في نفسه حجةً ولا شبهةً.
والشبهة: ما تُخُيِّلَ به المذهبُ في صورةِ الحقيقةِ، وليس كذلك؛ لأن المقدَّمةَ إن كانت صادقة، فشهادتُها بالمذهب على الحقيقةِ، وكلُّ