للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادةٌ -وقولُ الأصوليين: شهادةٌ، هو معنى قولِ الفقهاءِ: لها تأثيرٌ- ثم تمييزُ (١) ما توجدُ معه الثِّقةُ والسلامةُ من المناقضة مما ليس كذلك، فكلُّ قضيَّةٍ من استخراجِ الحجةِ، وكل حجه، فإن معناها قد يمكنُ أن تَختلِفَ الصُورةُ الدالةُ عليه: فمرَّةً تكونُ في صورةِ الخبرِ-وهو الذي عليه المعتمَدُ-، ومرَّةً تكونُ في صورةِ الاستخبارِ، ومرَّةً تكونُ في صورةِ الأمرِ، ومرَّةً تكونً في صورةِ النهي، وكل ذلك يحْصُلُ به في النَّفسِ معنىً يشهدً بمعنىً آخَرَ، ولذلك سُمِّيَت شهادةُ القضيَّةِ شهادةً، لِما يَحصُلُ في النَّفسِ من المعنى الشاهدِ بمعنىً آخرَ.

ولربما كانت الشهادةُ بالإِفصاحِ، وربما كانت بالتَّعريضِ في الكلام، أو في الحال، وكل معنىً كان في حصولِ العلمِ بمعلومٍ آخَر، فَهو دالٌّ عليه، إلا أن ذلك على ضربين: أحدهما: ما يستحيلُ حصولُ العلمِ بالأوَّلِ فيه دون الثاني، والآخرُ: لا يستحيلُ.

فالذي يستحيلُ إلا بحصول الثاني هو أوضحُ وأجْلَى، والذي لا يستحيلُ أغمضُ وأخفى؛ وذلك لأنه قد تعترضُ فيه شبهةٌ، فيُعلمُ الأولُ، ولا يُعلمُ الثاني دون حلِّ تلك الشُّبهةِ.

ويقال: إذا كان لا يصحُ حصولُ العلمِ بأحد المعنيين دون الآخرِ، فكيف صارَ الأولُ هو الدَّالَّ على الثاني دون أن يكونَ كلُّ واحدٍ منهما دالّاً على الآخر؟

فالجوابُ عن ذلك: لأن الأولَ هو الذي يَشهدُ بالثاني، وهو الذي يَشهدُ العقلُ بأنه لا يجوزُ أن يَصحَّ إلا ولا بُدَّ من أن يَصحَ الثاني،


(١) في الأصل: "تميز".

<<  <  ج: ص:  >  >>