للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم فانتهوا" (١)، وهومُستصرح لتكرارِ الفعل، فلا وجهَ لمخالفةِ أمرِه والاقتصارِ على ما هو دون الطاقة.

ومما يدل على ذلكَ: أن أكثرَ أوامرِ الشّرع على التكرارِ، وإذا ورَدَ أمر شاذ مُتجرًد، وجَبَ حَمْلُه على مُقتضىَ الأكثرِ، لأنّه صار بكثرةِ استعمالهِ عرفَ الشرعِ.

ويدل على ذلكَ، أنَ النهيَ استدعاءُ التركِ، والأمرَ اقتضاء بالفعلِ، واستدعاء له، ثم إنَ النهيَ يقتضي الدوامَ والتكرارَ لتركِ المنهي عنهُ، فيجبُ أن يكون الأمرُ يقتضي دوامَ المأمور به.

ويدلُّ عليه: أنَ قولَ الأعلى للأدنى: صلِّ، يحسُنُ تفسيرُه بصلاةٍ وبصلواتٍ، فدلّ علي أنّه يقتضي الجميعَ، فوجبَ حملُه على جملةِ مايقتضيه ويحسُنُ تفسيرهُ به.

ويدلُّ عليه: أنَّ قولَ القائلِ لِمنْ هو دونَه: احفظْ هذا المالَ، واجلسْ في هذا المكان، وصمْ، وقمْ، وادخُلْ، وكُلْ، واركبْ. يقتضي الشروعَ فيه، ولا يحسُن، الخروجُ عما أمره به من جلوسٍ بعد القيامِ، وتخليةٍ بعد الحفظِ، وإفطارٍ بعد الصيام، وخروج بعد الدخولِ إلا بإذنهِ، حتى إنّه يحسُنُ توبيخُه على مَفارقةِ الحالِ التي أمره بها، حسبَ ما يحسنُ توبيخهُ بتركِ ذلك إذا قيَّده بالدوامِ.

ويدل عليه: أنَ الأمرَ يقتضي وجوبَ الفعلِ والاعتقادِ والعزمِ، ثم إنَ الاعتقادَ لوجوبه، والعزمَ على فعلِه يجبُ دائماً متكرراً عندهم إلى


(١) أخرجه البخاري من طريق أبي هريرة حديث رقم (٧٢٨٨) وأخرجه مسلم (١٣٣٧). وصحَّحه ابن حبان (١٨) - (٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>