للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ١٠٥]، أن يقول: لم يك لي نَبي يُعرف بنوح، أوكان نوحٌ، لكن لم يُكذِّبه قومُه.

والمستقبل مثل قوله: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: ٣]، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧]، فنسخُ ذلكَ أن يقولَ: لن يَغلبوا، ولن تدخلوا. وهذا عينُ الكذبِ الذي لا يجوزُ على اللهِ سبحانَه، ولا على رسُلهِ، ولا يحسُنُ بعقلاءِ خلقِه.

فأمَّا التخصيصُ فيجوز من ذلك (١) قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: ٩٨]، وقوله بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: ١٠١]، وأما قوله: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ} [الحجر ٣٠]، فأغرقنا جميعَ أهلِ الأرضِ، فأهلكنا جميعَ أهل قريةِ لوطٍ. فلا فرقَ بينَ ذلكَ وبين قولِه: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: ٥] انفِروا في سبيل الله كافة. في دخولِ التخصيص.

ومنها: أنَ الأخبارَ يجوزُ أنْ تردَ با لمجهولِ والمجملِ، مثل قوله: {وكَمْ أهْلكنا قَبلهم مِن قَرنٍ} [مريم: ٧٤]، {وقروناً بينَ ذلك كثيراً} [الفرقان: ٣٨]، ولا يُبينُه أبداً، ولا يجوزُ أن يقولَ في الأمر {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٤٣]، ولا دلالةَ قبيلَ الأمرِ أو معه أو بعدَه تُبيِّنُ مرادَه بذلكَ، بل لا بُدَّ من بيانٍ، فأينَ الخبرُ من الأمرِ؟

فيقالُ: أكثرُ ما يتلوّحُ من هذا الفرقِ أنَّ في الأخبارِ ما لا حاجةَ بنا إلى معرفة كيفيةِ المخبَرِ به ولا مقدارِه ودوام الإجمالِ فيه، وهذا لا يمنعُ من وضعِ صيغةٍ لعمومِه، كما لم يمنع من جوازِ ورودِ دلالةٍ على بيانِه وتفسيرِ مُجمَلهِ، والكشفِ عن مقدارِ المُخَبرِ به.


(١) في الأصل: "بذلك"،

<<  <  ج: ص:  >  >>