للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحمدَ على ذلك، فلما أجمعتِ الأمَةُ على وجوبِ شكره -جَلّت عظمتُه- على قليلِ النعمِ وكثيرهِا، بطلَ دعوى وجوبِ الجزاءِ على الله على أعمالِ خلقه؛ ولأنه سبحانه قد استعبدَ الملائكةَ بالتَّسبيحِ والتَمجيدِ والتَّهليلِ والرسالةِ، من غير أن يتخلَّل أوقاتَهم أعذار قاطعة، وأشغالٌ مانعة، وأغناهم عن الأكلِ والشربِ وسائر ما يلتذُّ به الآدميون، وكانَ ذلك مُجَردَ شكرِه سبحانه على إيجاده وإبقائِهِ لهم.

يوضِّح هذا أنه لو قال سبحانه: افعلوا كذا أبداً، فهو الأصلحُ لكم. كان ذلك أمراً صحيحاً عندَ المخالف، وإن كان يقطعُ عن الإثابةِ ويستوعِبُ الزمانَ بالعبادة؛ ولأنه إذا أبقاهم وعافاهم، ومَتَّعهم بنَسيمِ الهواءِ ورَوَّحهم، وأنالهم في خلال أعمالهِم لذاتٍ دائمةً، حَسُن أن يكون ذلك جزاءً وثواباً على أعمالهم، وليس من شرطه إفرادُ زمانٍ للثواب المحض.

وأما الأعذارُ المعترضةُ، فإنَّ زمانَها خارج عن الأمر، بدلالةٍ وقرينه، وهي الدلائلُ التي أسقطت أكثَر الأعمالِ، وأخَرت بعضها لأجلِ الأعذارِ، كالسَّفَر والمرضِ والخوفِ وما شاكل ذلك.

فصل

لا يصحُّ الأمرُ بالموجود

وحُكي عن بعضِ المتكلمين التجويزُ لذلك (١)، مثالُه أن يقولَ للقائم: قمْ، وللقاعِد: اقعدْ، وللصائمِ: صُمْ.

فصل

جامع [لأدلتنا في نفي صحة الأمر بالموجود] ٢)

منها: أن الأمرَ استدعاء واقتضاء، والحاصلُ لا يُستَدعى ولا يمتضى به؛ لأن


(١) انظر "البرهان" ١١/ ٢٧٦.
(٢ - ٢) طمس في الأصل، وما بين معقوفين مُقدرحسب المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>