للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى هذا عندَهم: أنَّهما يسقطانِ، ويرجعُ إلى دليلِ غيرِهما.

وقالَ أبو بكرٍ الأشعري: إذا جُهلَ التاريخُ؛ وجبَ التوقفُ فيهما (١).

فصل

في جمعِ أدلّتنا

فمنها: قولُه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]، فهذهِ الآيةُ عامَّة في كل زانِ وزانيةِ، قضينا عليها بالآية الخاصةِ في الإماءِ، وهي قولُه تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥]، وإجماعُ الأمَّةِ على تخصيصِ الأولى بالثانية، إجماع على حملِ العام على الخاصِّ، فهو حجّةٌ لنا، ولا عذر لهم.

ومنها: أنَّ الخاصَّ يتناولُ الحكمَ المتناوِلَ له بصريحهِ، والعامُّ يتناولُ الحكمَ بظاهره المحتَملِ، والصريحُ مقدم على الظاهر وصار الصريحُ في الخصوصِ كالإشارةِ، فإنه لو قالَ: لا تضرب هذا العبدَ. وقال بعد ذلكَ: اضرب عبيدي. فإنَّ المشارَ إليه بالمنعِ من الضربِ لا يدخلُ في عمومِ قوله: اضرب عبيدي. لمكانَ تخصيصِه، كذلك التخصيصُ بالقولِ المنبىء عن إخراجِ المخصوصِ عن جملةِ العمومِ (٢).

ومنها: أنَّ في حملِ العامِّ على الخاصِّ جمعٌ بين الدليلينِ وعملٌ بهما، وهذه الأدلةُ إنما وُضِعت للاستعمالِ، فلا يجوزُ تعطيلُها مهما أمكن، ومن أخذَ بالعمومِ؛ أسقطَ الخصوصَ، ومن وقفَ؛ تركَ العملَ بدليلِ الشرعِ.

ومنها: أنَّ كلامَ صاحبِ الشريعةِ يُبنى بعضُه على بعضٍ، ويُجعلُ مفرَّقه


(١) وبهذا القول قال بعض الحنفية، نص عليه في "ميزان الأصول" ١/ ٤٧٧، وانظر قول ابى بكر الباقلاني في"المستصفى" ٢/ ١٠٤، و"البحر المحيط" ٣/ ٤١٠.
(٢) انظر "العدة" ٢/ ٦٢٣، و"شرح الكوكب المنير" ٣/ ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>