للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كان النَّاسُ قد عملوا بهما جميعاً؛ وجبَ استعمالُهما، وترتَّبَ العامُّ على الخاصِّ، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعِ ما ليسَ عندَه (١)، ورخَصَ في السلَم (٢).

وإن كان اتفاقُهم على استعمالِ أحدِهما؛ عُمِلَ بما اتفقوا عليه، والآخرُ منسوخٌ، وذلكَ مثلُ قوله: "فيما سقت السماء العُشر" (٣)، وقوله: "ليسَ في الخَضْراواتِ صدقةٌ" (٤). العامُ؛ تَلَقته الأمةُ بالقبولِ، والخاصُّ؛ مختَلَف في حكمِه والعملِ به، فلم يقضَ به على المتفقِ عليه.

وإن كانوا اختلفوا في ذلكَ، فعمِلَ بعضٌ بأحدِ الخبرينِ، وعامَّةُ الفقهاءِ خالفَه ويُنكرُ عليه؛ فالعملُ على ما عليه العامةُ، وسقطَ العملُ بالآخر.

وإن كان الخبرانِ مما يتعلَق الحكمُ بهما ويسوغُ الاجتهادُ في الحكمِ الذي تضمَّنه كلُّ واحد من الخبرينِ، ولم يظهرْ من الصحابةِ العملُ بأحدِ الخبرينِ، فالواجبُ المصيرُ إلى الاجتهادِ في تقديمِ أحدِهما على الآخرِ، واستعمالُ كل منهما فيما يَقتضيه،


(١) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: يا رسول الله، يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، فأبيعه منه، ثم ابتاعه من السوق؟ فقال: "لا تبع ما ليس عندك". أخرجه أحمد ٣/ ٤٠٢، والترمذي (١٢٣٢)، وأبوداود (٣٥٠٣)، والنسائي ٧/ ٢٨٩، وابن ما جة (٢١٨٧).
(٢) السَّلَم: هو أن يسلم عوضاً حاضراً في عوضِ موصوف في الذمة إلى أجل، ويسمى: سلفاً، انظر "المغني" لابن قدامة ٦/ ٣٨٤. وأحاديث الرخصة في السلم كثيرة، انظرها في "التلخيص الحبير" ٣/ ٣٢، و"نصب الراية"٤/ ٤٥.
(٣) تقدم تخريجه ١/ ١٨٩.
(٤) عن معاذ رضي الله عنه، أنَّه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله عن الخَضْراوات، وهي البقول، فقال: "ليس فيها شيءٌ" أخرجه الترمذي (٦٣٨)، والبيهقي ٤/ ٩٩، والدارقطني ٢/ ٩٩. وأخرجه الدارقطني من حديث عليّ رضي الله عنه أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في الخضراوات صدقة، ولا في العرايا صدقة، ولا في أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا في العوامل صدقة، ولا في الجبهة صدقة". والجبهة هي الخيل والبغال والعبيد."سنن الدارقطني" ٢/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>